مفهوم المواطنة

توطئة :

المواطنة وحب الأرض والوطن هو شيء فطرى جبلى فطّر الله الإنسان والإنسانية برمتها ويستعصى بحكم الفطرة أن ينسى الإنسان  أو ينسي إليه في تلك البقعة التي إحتضنته وتررع وتعلم ونشأ فيها، وارتزق خيراتها والتحم قاطنيها وامتزج وانسجم طبيعتها وطبيعة سكانها؛ حتى بدا عضواً فعالاً ومعتبراً فيها سواءً سعى فيها خيراً أو شراً.

ويعتبر مبدأ المواطنة والوطنية أساس وعمود الفقرى لقيام الدول والأنظمة إذ بدونها يكون كيان الدولة والمجتمع عرضة للدمار والتلاشى، وتحتل هذه القضية مكانة مرموقة في كلٍ من التشريعات الوضعية والإسلامية وتضع الأنظمة والدول نصب أعينها في تنظيم مسألة المواطنة وملحقاتها.

والمواطنة كفكرة سياسية واجتماعية وقانونية تساهم _ وساهمت_ في تطوير المجتمعات على مر العصور والأزمان، وتنظيم هذه القضية بشكل يرضى المجتمع ويكفل حقوق كل مواطن قاطن في الدائرة الجغرافية للدولة؛ ودون تفرقة بسبب اللون أوالجنس أوالنسب أوالفكرة أو المعتقد أو أي أساس آخر يكون داعٍ للتفرقة والتفضيل بين أبناء البلد أو المنطقة، يؤدى إلى إستقرار المجتمع وتعزيز السلم الإجتماعى والتعايش السلمى؛ ومن ثم تنمية المجتمع وتشجيع الإستثمار وتقدم مستوى المعيشى والإقتصادى للدولة مما بدوره يحقق رفاهية المواطن والإنسانية جميعاً.

ومن هنا حاول البعض – ومازالوا يحاولون- تلفيق الإسلام الأكذوبة وتهمة بأنه لايعترف المواطنة والوطنية ولا يكفل حقوق الآخرين غير معتنقى الإسلام، وهو ما سوف نوضحه في مكانه باذن الله.

بقي أن نقول قولنا في مدى تمتعنا نحن كأمة الصومالية أفراداً وجماعات بخاصية المواطنة وحب الوطن وشعور الإنتماء وإعتزازه وتحمل تبعات ذلك، ونلاحظ كثرة التهم والإدانات واللائمة الموجهة لدى السياسيين ورجال الأعمال وأصحاب المهن بعدم تمتعهم بحب الوطن وإنعدام الوطنية وولاء الوطن، مع أننى لا أميل الى تعميم  التهم إلى الكافة لكن الذي يجعل الحليم حيراناً هو كيف يمكن أن يكون وطناً مثل الصومال مدمراً زهاء ربع قرن وأهله يتمتعون بكافة مقومات الوحدة، إن كانت هنالك حقاً حب الوطن والمواطنة؟.

المواطنة في نظر التشريع الوضعى:

أهل القانون الوضعى والرواد مدارس القانون عبّروا عن المواطنة والوطنية عن وجهات نظر متباينة؛ نستخلصها مايلى: أن المواطنة هي عبارة عن عقد بين المواطنين والدولة ككيان كوّنه المواطنين بالتراضي، ويترتب بموجب هذا العقد عدداً من الحقوق والواجبات يتطلب كلا الطرفين الإلتزام بها.

ومصطلح “المواطنة” لم يأخذ بشكله النهائى الذي نحن نعاصره إلا بعد عهد وعقد من الزمن، فمثلاً الرومان والإغريق لم يكونوا يطلقون لفظ المواطن إلا من يولد بأصول يونانية أو رومانية، ولم يمنحوا صفة المواطن للأجنبى مهما تكن علاقته قوية معهم حتي لو ولد في أرض رومانية أو إغريقية.

ومما يجدر الإشارة هنا العلاقة  بين مصطلحي الجنسية والمواطنة ولتوضيح ذلك نقول: أنه لا تمييز بين المصطلحين إلا أنه غلب على مصطلح المواطنة الطابع الإجتماعى والقانونى بينما غلب على مصطلح الجنسية الطابع الفني والتنظيمى، فالمواطنة تحمل معنى الإنتماء والولاء الذي بموجبه يحصل الفرد بجنسية دولة ما، أما الجنسية فهي المعيار الوحيد للتمييز بين المواطنين والأجانب الذين يقطنون  الدولة.

وهناك خلاف بين شراح القانون حول طبيعة وأساس الجنسية فمنهم من يرى أنها رابطة عقدية بين الطرفين ومنهم من يقول: بأنها علاقة تنظيمية بمعنى أن الدولة تنفرد بوضع قواعد قانونية منظمة لكيفية اكتساب الجنسية وفقدها ولا يكون أمام الفرد إلا الخضوع لهذا النظام، وهناك وجهات نظر مختلفة للمدارس الأنجلو الأمريكية والأروبية.

الأولى تنظر أساس الجنسية على أنها علاقة قائمة بالنفعية بين الدولة والأفراد، والثانية ترى بحسبانها علاقة تقوم على الشعور الذي يتضمن الى درجة كبيرة إحساساً برابطة عائلية وروحية بين الأفراد ودولة.

عبد الرحمن أدم حسين

خريج كلية الشريعة والقانون ، جامعة افريقيا العالمية والآن يحضر الماجستير في نفس التخصص بجامعة القرآن الكريم، الخرطوم - السودان
زر الذهاب إلى الأعلى