معركة “ليجو” وتهميش الإنسان الإفريقي

إن ما حدث في قرية ليغو التي تقع بين مطار بليدوغلي العسكري (في حدود 100 كيلو إلى الشمال الغربي من العاصمة) وبين مدينة بيدوا (في حدود 246 كيلو إلى الشمال الغربي من العاصمة مقديشو) وهي حاضرة إقليم باي والمقر الإنتقالي لحكومة جنوب غرب الإقليمية إلى حين الإنتقال منها رسميا لمدينة براوة الساحلية على المحيط الهندي، إن ما حدث فيها من شن حركة الشباب التي تصنف بالمرتبطة بتنظيم القاعدة من هجوم على معسكر لقوات بروندية تابعة للإتحاد الإفريقي كان قوامها حوالي 120 جنديا والإستيلاء عليه بالكامل أمر يبعث على التساؤلات والحيرة.

فقد بدأ الهجوم بتفجير سيارة مفخخة تمت دحرجتها بالأيدي حتى وصلت إلى مسافة قريبة ومن ثمّ تحركت بسرعة جنونية فانفجرت بمدخل المعسكر محدثة إرباكا كبيرا لمن كانوا بداخل المعسكر وفي اللحظة نفسها هاجمت المعسكر أعداد كبيرة قُدرت ب400 مقاتل من الجهات الأربعة مما أدى إلى إقتحام سوره الضعيف الذي كان عبارة عن أعمدة نحيفة مشبوكة بالأسلاك الشائكة وحصل قتال عنيف إستمر لحوالي 4 ساعات أدى في نهاية المطاف إلى إنسحاب القوة الإفريقية مع بعض جرحاها وإستيلاء المهاجمين على الموقع.

بدأ الهجوم عندما كانت تتردد أصداء مآذن المساجد في الإقامة لأداء صلاة الصبح عند الساعة الخامسة صباحا وهو وقت يكون فيه معظم العساكر كالعادة نائمين الاّ من كان قائما بالحراسة، ويمكن أن يتصور الواحد معسكرا يقع في منطقة نائية وتكون مساحته أقل من كيلومتر مربع وتُسند أموره إلى قوة لا يتجاوز قوامها 120 عسكريا وفي ساعة متأخرة مثل ذلك التوقيت الذي إختاروا فيه بدأ هجومهم فيه بالإضافة إلى العدد الهائل الذي هاجم به المعسكر والذي قدر بأكثر من 400 مقاتل، كلها تعطي دلائل بعدم التكافئ بين القوتين المتحاربتين مما حسم المعركة في نهاية المطاف لصالح المهاجمين رغم البسالة التي أبدتها القوة الإفريقية كما رواها بعض الأهالي الحاضرين في القرية بدليل الفرق بين الساعة التي بدأ فيها الهجوم وبين الساعة التي إنسحبت فيها القوة الإفريقية مع جرحاها من المعسكر عند الساعة التاسعة صباحا دون أن تجد نجدة من أي إتجاه، ودون أن تترك جرحاها في ساحة القتال. 

وقد قدرت الخسائر الأولية التي تم إستقصاؤها من مصادر السكان المحليين الذين كانوا قريبين من الموقع أن عدد القتلى حوالي 50 عسكريا من القوة الإفريقية حسبما نسب إلى الناطق بإسم القوات المسلحة البروندية والتصريحات منشورة في التيوتر لكل من يريد الوصول إليها، والرقم مرشح للإتفاع في أي لحظة، بينما تم إسعاف حوالي 20 من الجرحى إلى المستشفى العسكري بمنطقة حلني في مقديشو كما إنه لم يمكن الحصول على معلومات مؤكدة من الجهات الرسمية في الأميسوم التي إكتفت بإصدار بيان مقتضب بإسم قائدها السياسي السفير المخضرم مامان صديقو ويبدوا أنها تتريث لصدور المعلومات المؤكدة عندما تعود القوة العسكرية التي تم إرسالها إلى المنطقة المنكوبة ويتم تمشيطها من المهاجمين ويكون بمقدور القائد الميداني تقديم إحصائية نهائية عن قواته. 

الدلائل في الهجوم وما تمخض عنه من إستيلاء حركة الشباب على المعسكر والمكوث فيه لمدة أبع وعشرين ساعة شحنت خلالها الأسلحة والمعدات العسكرية التي كان بعضها ثقيلا وفتح جميع المستودعات للسكان لنهب المؤن والمواد الغذئية والمستلزمات غير العسكرية. أما الاغراض العسكرية التي وجدوها في المعسكر فقد إختصوا بها ونقلوها إلى معسكراتهم في الغابة بما في ذلك عربات عسكرية مدرعة محمولة بالمدافع الرشاشة يقال إنها تصل إلى 3ـ4  عربات وقاذفات بي إم وغيرها من الأسلحة وذلك كله دون تدخل عسكري سريع لا من القوات الإثيوبية التي كانت موجودة في مدينة بورهكبا وتبعد حوالي 40 إلى الغرب من المعسكر المنكوب ولا من القوات البروندية التي كانت متمركزة في قرية ياقبريدويني وتبعد هي الأخرى حوالي 20 كيلو إلى الشرق في إتجاه مقديشو أو حتى من القوات الإفريقية الأخرى التي كانت موجودة وبأعداد كبيرة في مطار بليدوغلي وهذه القوة أيضا تبعد عن المكان الذي دارت فيه المعركة حامية الوطيس حوالي 40 كيلو وكان من الممكن أن تصل إلى الموقع حتى بعد شروق الشمس بساعة أو ساعتين، كل ذلك يدل دلالة واضحة على أن هناك أمرا مبيتا لا نعرف كنهه وقد يكون نكاية بالرئيس البروندي الذي نصحته قوى متعددة بما فيها الإتحاد الإفريقي وأمريكا وغيرهم بعدم خوض الإنتخابات الرئاسية، وأصر هو بالخوض فيها دون الإكتراث بنصائحهم.  

الجهة الوحيدة التي تدخلت وقامت بنجدة القوات البروندية هي قوات صومالية كانت تتخذ معسكرا بين ليغو وياقبريديني وتشير التقارير الأولية أنها أنقذت 19 جنديا برونديا فروا من المعسكر نحو مقرهم ووجدوهم في حالة ذعر غير عادية من هول المباغة التي أحدثها المهاجمون ومن شراسة المعركة التي بدأت في ساعة كان معظمهم نائما فيها، ومن هنا وإذا أجرينا إحصائية أولية وغير رسمية عن الأرقام التي تتناقل محليا بين الموتى والجرحى الذين وصلوا إلى المستشفى وما أنقذته القوات الصومالية التي لولا تدخلها ربما كانت الخسائر أبشع إذا أجرينا هذه العملية الحسابية فإن ما يقدر بحوالي 30 جنديا لا زالوا مجهولي المصير حتى الآن.

الدلالة الأخرى ذات المغزى الكبير والتي أصبحت مثار إستغراب شديد هي أن يوم الجمعة 9 رمضان/26 يونيو، كان يوما داميا بحق وحقيقة، فقد سفكت دماء بريئة في أماكن مختلفة من العالم بدأ بتونس التي تشهد ديمقراطية وليدة وصاعدة، ومرورا بالكويت المسالمة دائما وقد يكون حصل فيها ما حصل من التفجير الآثم بقصد الإستفزاز وجرها إلى مشاكل هي في غنا عنها ولأسباب لا يتصوره عقل سليم، وحتى فرنسا وغيرهم من البلدان، وكلها حظيت بالتغطية الإعلامية الكبيرة، أما الجنود الأفارقة الذين تسلطت عليهم بسبب حظهم البائس شباب يافع يعم فيهم التوحش، وسفك الدماء سمتهم البارزة فقد كانوا الوحيدين الذين لم يرد ذكرهم في واحدة من القنوات الإعلامية بصورة لائقة، ولم تتم لهم تغطية إعلامية وكأن لم يحدث شيء يستحق التغطية في الدولة الفاشلة بمنطقة القرن الإفريقي، إنه تهميش الإنسان الإفريقي ولا رثاء للمهمشين.

الدلالة الأخرى التي ينبغي أن لا تكون بعيدة عن الأذهان هي هل حدثت تلك الحادثة بمحض الصدفة أعني بتخطيط شبابي محلي كامل أم حصلت بفعل تخطيط شاركت فيه قوى كبرى خاصة وأننا نسمع كثيرا أن حركة الشباب مخترقة من دوائر كبيرة وبالتالي فهي تدار بتخطيط وتدبير وعقول أكبر منها ومن عمرها شاءت أم أبت، إذا كان حصل ذلك بمحض الصدفة فلماذا إجتمعت تلك العناصر الآنفة الذكر، حيث إن قوة إفريقية تتعرض لهجوم كبير وتستغيث بكل سبل الإتصالات المتطورة المتاحة وهناك قوات إفريقية على مرمى حجر منها وفي أكثر من جهة واحدة ولا تصدر التعليمات بالتدخل من أجل نجدتها ومساعدتها، وتدور المعركة أكثر من أربع ساعات، ويُتركون هكذا حتى آخر رمق لهم ويكون العزاء بإنكارهم وتحريمهم من نقل أخبار نكبتهم بوسائل الإعلام حتى وإن كانت الامور تتعلق بالأمور العسكرية، إنه أمر أقل ما يمكن أن نقول عنه أنه نكاية بالرئيس البروندي الذي أصر أن يترشح للرئاسة للمرة الثالثة على التوالي ويريد أن يتنافس في الإنتخابات التي ستجري يوم الإثنين القادم 29 يونيو الجاري.

في الجهة المقابلة يبعث هذا الحدث عدة دلائل في العمق البروندي، وأولها الإنقسام الذي يعاني منه المجمتع البروندي، فعندما حدثت محاولة الإنقلاب قبل عدة أسابيع ضد الرئيس أنكروزينزا أكدت جميع المصادر أن وحدات من القوات البروندية المشاركة في عملية حفظ السلام الإفريقية بالصومال إحتفلت بالإنقلاب بينما كانت وحدات أخرى تعارضها ولم يرق لها طعم ذلك الإنقلاب من دواعي قبلية بحتة، وهذه اللحمة التي تباعدت لن يكون من السهل إعادة بعضها إلى البعض الآخر، وهو أمر إنعكس على عملية القتال في الميدان وجر لها بالهزيمة خاصة إذا علمنا أن أنباء تحركات مقاتلي الشباب والأماكن التي يتوجهون إليها بأعداد كبيرة كانت موجودة بصورة متواترة عند دوائر صنع القرار بالأميسوم وتم تحذير جميع المعسكرات في تلك المناطق، غير أن معسكر ليغو البروندي لم يأخذ أهبته في مواجهة تلك الهجمة المتوحشة وكأن قول الشاعر العربي يصدق فيهم.

إذا حمّ القضاءُ على إمرءٍ ****** فليس برٌ يقيه ولا بحرُ

بقلم عبدالوهاب شيخ رشيد

صحفي وكاتب صومالي مقيم في مقديشو    

 

زر الذهاب إلى الأعلى