مراحل وتطور الإعلام  في الصومال 1-12

سلسلة مقالات عن تاريخ الصحافة الصومالية

مقدمة

الإعلام كما يقال سلطة رابعة لا تقل قوة وتأثيرا عن السلطات الثلاثة الآخرى ، التنفيذية، والتشريعية، والقضائية ، نظرا للقدرات الهائلة التي يملكها الإعلام ويستطيع من خلالها توليد سلوكيات وقناعات وأفكار أو تغيرها أو توجيهها، بل واحيانا من النقيض إلى النقيض1 ومن الهامش إلى القمة وبات الإعلام العالمي اليوم سواء التقليدي منه أو الجديد يلعب دورا محوريا في تشكيل الرأي العام المناهض أو المؤيد، وتحريك الجماهير، وصناعة الأحداث التي يشهدها الكون، و هناك توجه سياسي يدعو إلى توظيف الإعلام في سبيل تحقيق ما تفشل فيه الساسية أو القوة العسكرية من خلق ظرف أو إنهائه أو على الأقل يمكن القول الإعلام والوسائل السياسية والعسكرية متلازمان ولا يستغني واحد عن الآخر ، وأن الإعلام الصومالي بعد أعوام من الركود بدأ يحقق في السنوات الأخيرة قفزات نوعية للالتحاق لهذا التوجه العالمي ونحو استعادة دوره في توجيه المجتمع الصومالي وصياغة أولوياته بصورة يجعل لزاما على إعادة النظر في السياسات والمفاهيم الإعلامية السائدة في الصومال بغية مواكبة تطورات العصر وخدمته لإعادة بناء البلاد وتعزيز الأمن والاستقرار عبر تطوير المؤسسات الإعلامية سواء من حيث الشكل والمحتوى والمضمون، ورفع كفاءة العاملين فيها تدريبا وتنظيما للخروج من الفوضى الإعلامية التي اصابت الصوماليين بالغي والعمى منذ انهيار الدولة عام 1991.

مر الإعلام الصومالي بمحطات متعددة وشهد فترات كان تحت سيطرة جهات ذات فلسفات وايدلوجيات متباينة تستغله لخدمتها، وتحقيق اجندتها  وأهدافها الخاصة ابتداء من الإستعمار- أبو الصحافة الحديثة في الصومال- الذي اتخذ الإعلام أحد أهم أدواته الاستعمارية ووظفها بغية الهيمنة على عقول النخب الصومالية وتسخيرها للوصول إلى أهدافه الإستعمارية.

عانى الإعلام الصومالي في ظل الاستعمار صنوفا من القمع والتضييق وتقييد حرية الصحافيين فجرى في عهده ايقاق صحف ومنعها من الصدور بسبب تغردها خارج سرب الإستعمار مستخدما وسائل ناعمة وخشنة، كما أنه حاول في تغيير هوية وثقافة الصوماليين بإيدى موظفين أجانب تحمل ثقافات وهويات لا تمت للثقافة الصومالية باي صلة وجعلهم على رأس الصحف والإذاعات تجسيدا لثقافة الغالب واجبار المغلوب- المولع أصلا بالاقتداء بالغالب – على الاستسلام وتبني سياسات الاستعمار ونشرها في داخل المجتمع الصومالي.

بعد الاستقلال لم يشهد الوضع الإعلامي في الصومال تغيرا ملحوظا، وبات ينتقل من سيطرة الإستعمار المباشر إلى ايدي مؤيديه في الأحزاب السياسية واستخدموه في سبل تحقيق أجنداتهم وحسم صراعاتهم الداخلية الأمر الذي حال دون تطوير الصحافة الصومالية إلى أن جاء العسكر واستولى السلطة عام 1969 فأمم القطاع الخاص وصادر الحريات بما فيها حرية الصحافة، لكن في عهده تحققت انجازات مهمة تتمثل في، الإعلان عن كتابة اللغة الصومالية، ما افسح المجال أمام صدور لأول مرة في تاريخ الصومال، صحفا وجرائد باللغة الصومالية، حيث كانت الصحف تكتب في الفترات الماضية أما باللغة الإيطالية و الانجليزية أو باللغة العربية، وأنشاء كلية الإعلام، ومعهد تدريب الصحافين، ودخول التلفاز في منازل الصوماليين، بالإضافة إلى انشاء وكالة الأنباء الصومالية ( سونا) ووكالة الأفلام المسؤولة عن انتاج الأفلام الوثائقية والقصيرة ومراقبة وإشراف الأفلام والمواد الإعلامية التي تدخل البلاد .

أما بعد الإطاحة بنظام سياد بري وانهيار الدولة يناير عام 1991 انفلت عقال الصحافة وأسيئ استغلالها وبدأت الصحف القبلية بالانتشار كالنار في الهشيم منشورة معلومات مغلوطة واخبار منحازة ساهمت في تأجيح الصراع بين الصوماليين وإطالة أمده، ونشر الكراهية بين القبائل حتى باتت كل قبيلة تملك صحيفة أو إذاعة لتهييج مشاعر أبنائها وتحريضها على القتال ضد العشائر الأخرى. ظل هكذا الحال حولي عشرين عاما إلى جاء نظام المحاكم الإسلامية.

في عام 2006 تتبدلت الأمور في الصومال ودخلت في المشهد السياسي تيارات اسلامية لم يألفها الشعب حاكمين واستولت على السلطة في مقديشو وعدد من المناطق في جنوب البلاد ما كان يعرف في تلك الفترة “المحاكم الاسلامية” وهو تيار هحين ما بين اسلامي و جهادي، وسادت حالة من الهدوء النسبي في تلك المناطق ما ساهم في تغيير النمط الإعلامي في البلاد وشهدت الصحافة الصومالية نوعا من التطور.

لكن لم تدم هذه المرحلة طويلا وسرعان ما تبددت أحلام المحاكم على ايدي قوات حكومة الرئيس الأسبق عبد يوسف المدعوم من قبل القوات الاثيوبية الا أن الإعلام الصومالي الخاص واصل تطوراته – وإن كانت بطيئة- وبدأ عام 2012 يتجه نحو المؤسساتية في ظل اختفاء عدد كبير من الصحف والإذاعات القبلية وحل محلها قنوات تلفزيونية ومواقع اخبارية الكترونية تتناول الأوضاع بشكل أكثر تحضرا وتطورا.

نظرا لأهمية هذه المرحلة من تاريخ الصومال ودور قطاع الإعلام فيها نتناول في هذه الورقة وسائل الإعلام الصومالية تاريخها، نشأتها وواقعها ومآلاتها في ثلاثة مباحث، في المبحث الأول، ننظر تاريخ ونشأة وسائل الإعلام في الصومال ونتحدث لأول مرة بصورة موثقة عن تاريخ ونشأة الصحف والإذاعات في عهد ما قبل الانهيار، وكالة الأنباء الصومالية (سونا) وكالة الأفلام الصومالية،إلى جانب وقفات حول الإذاعات والصحف الإلكترونية الحالية. وفي المبحث الثاني نسلط الضوء على القنوات الفضائية في الصومال، برامجها ، أهميتها وآفاق مستقبلها.

أما المبحث الثالث نتطرق في العقبات والتحديات التي تواجه الإعلام الصومالي والضرورة الملحة لانفتاحه على نظرائه في العالم واقامة تعاون وشراكة وتبادل الخبرات مع وسائل الإعلام العالمية ولاسميا العربية منها، وسنختتم في هذا المبحث بالتوصيات والمقترحات.

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى