محللون: إفريقيا قنبلة اقتصادية قادمة

إفريقيا هي المنطقة الأسرع نمواً اليوم . لن يتعدى النمو الاقتصادي العالمي نسبة 4 .3% هذه السنة منها 1 .1% لمنطقة اليورو ومعدل 6 .4% للدول الناشئة، من ضمنها 3 .5% للقارة الإفريقية مع توقع ارتفاع إلى 5 .5% للسنتين القادمتين . عدة دول إفريقية تعتبر من الأكثر نمواً في العالم اليوم، منها نيجيريا وإثيوبيا وأنغولا . استقبلت إفريقيا 50 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال 2013 . إذا أضفنا إلى هذا الواقع نسب تضخم منخفضة في حدود 7 .6% وعجز مالي يقارب 9 .3% من الناتج، يمكننا القول إن القارة الإفريقية ستكون القنبلة الاقتصادية الفاضلة للعقود القليلة المقبلة . تبعاً للاقتصادي “وولفغانغ فينغلير” من البنك الدولي، هنالك أمور أربعة تميز إفريقيا وستدخلها اذا ما استمرت حتى سنة 2025 الى مجموعة الدول ذات الدخل المتوسط . تجعلنا هذه الجوانب الأربعة نثق بمستقبل القارة وهي:

أولاً: النمو السكاني القوي وغير المتوافر في معظم القارات الأخرى وخاصة في الدول الغربية التي يعاني بعضها تدني عدد السكان . يزداد السكان 5 .2% سنويا في إفريقيا أي أن العدد سيرتفع من مليار شخص اليوم إلى 4 .2 مليار في سنة ،2050 و2 .4 مليار في سنة 2100 . هنالك واقع سكاني جديد في إفريقيا يتلخص أيضاً في ارتفاع العمر المرتقب، إضافة إلى تخفيض الإنجاب مع الحفاظ على نمو سكاني مناسب . تشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن نيجيريا ستصبح الدولة الثالثة في العالم في عدد السكان في سنة ،2055 أي بعد الهند والصين وتتقدم على الولايات المتحدة علما أن نسبة الانجاب النيجيري ستنخفض تدريجياً حتى ذلك الوقت . بحسب جريدة الخليج.

ثانياً: التنظيم المدني الجديد الذي يعزز وضع التجمعات السكانية كما فعالية الاقتصاد ما يسهم في جذب الاستثمارات . ارتفعت نسبة السكان التي تعيش في المدن الإفريقية من 19% في سنة 1960 إلى 39% اليوم وإلى متوقع 50% في سنة 2040 . تحتوي القارة على 52 مدينة مليونية كلاغوس وكينشاسا . ينتج عن هذا الواقع انخفاض في تكلفة النقل، وهذا ما يميز المدن عموماً، إضافة إلى تشجيعه للشركات الصغيرة والمتوسطة في كل القطاعات وخاصة الصناعة .

ثالثاً: التكنولوجيا التي تؤثر في تطور إفريقيا أكثر من أي مكان آخر، لأنها تستثمر من مستويات منخفضة وبالتالي تؤثر بسرعة وقوة في الواقع . من مصادر التطور ارتفاع نسبة الطلاب من 52% في سنة 1990 إلى 77% اليوم ما يعزز الانتاجية الاقتصادية مع الوقت . خلال العقد الأخير، ارتفع استعمال الهاتف من 7 .0% من السكان إلى 70% اليوم، وذلك بفضل التكنولوجيا التي خلقت الأجهزة الخلوية وعممتها على كل المناطق خلافاً للشبكات الثابتة المحدودة انتشاراً نسبياً . سمحت الشبكات الخلوية للإفريقيين باستعمالها في العمليات المصرفية، وبالتالي أدخلتهم الأسواق المالية الشرعية الرسمية والفاعلة .

رابعاً: تتحسن أوضاع الحوكمة والإدارة الاقتصادية مع الوقت، وإن يكن ببطء في بعض الدول . هنالك وعي شعبي للموضوع واهتمام بتطور المؤشرات المالية الأساسية كنسبة الدين العام من الناتج ما يقيد تصرفات بعض الحكام . من ال54 دولة التي تتكون منها القارة الإفريقية، 20 تعتبر ديمقراطية مقابل 4 في سنة 1990 . هنالك 400 ألف شركة تتأسس سنويا في إفريقيا ما يشير إلى حيوية الأجيال الجديدة ورغبتها في التطور والتغيير .

لا شك في أن المستقبل الاقتصادي لن يكون سهلاً وهنالك حاجة لتطوير وتحديث وتجهيز البنية التحتية بمختلف زواياها . لا بد من الاستمرار في تنويع الاقتصادات حتى تستفيد من التكنولوجيا المتطورة المستوردة خاصة في الصناعة . تحقيق هذين الهدفين يحتاج إلى الأموال وإلى اليد العاملة المتخصصة وذات الكفاءة، وكلها متوافرة في الغرب الذي يسعى إلى الاستثمار في القارة السوداء مستفيداً من الفوائد المنخفضة وضعف أسواق العمل الداخلية . لذا ارتفعت أجور الخبراء الأجانب في إفريقيا نحو 30% السنة الماضية . فما الاجتماع الأخير للرئيس أوباما مع رؤساء الدول الإفريقية في واشنطن إلا ليؤكد الاهتمام الأمريكي الجدي في أوضاع ومستقبل القارة . أمريكا تريد المشاركة بل الاستفادة من النمو الاقتصادي الإفريقي في وقت تبقى أوضاعها الاقتصادية الداخلية متعثرة . كذلك تحاول أوروبا بجهد وخاصة فرنسا تكبير حجم محفظتها الاستثمارية في إفريقيا بحيث تستورد النمو إليها فتعزز بالتالي حظوظ “فرنسوا هولاند” في الفوز بولاية ثانية في سنة 2017 . المؤكد هو أن الصين متقدمة اليوم على الغرب في استثماراتها وعلاقاتها الاقتصادية مع إفريقيا، وهذا ما يشكل الدافع الأساسي للحماسة الغربية الجديدة . تستفيد الصين بذكاء من ماضيها “النظيف” في إفريقيا، أي أنها لم تستعمر ولم تستغل وبالتالي حريتها أكبر . هنالك من يشبه إفريقيا اليوم بما كانت عليه الصين والهند منذ عشر سنوات وهذا منطقي .

ما سبق لا يعني أن الطريق ستكون سهلة، فالقارة السوداء تواجه تحديات كبرى يمكن وصفها كما يلي:

 أولاً: الوضع الصحي حيث ما زال السكان يعانون أمراضاً خطرة خبيثة ومعدية آخرها “إيبولا” . هنالك أمراض قديمة متجددة كالملاريا والسل والسيدا التي تصيب المجتمعات وتؤخر تقدمها بالرغم من كل الجهود المبذولة محلياً ودولياً . لا يكفي استيراد الأدوية والأطباء، بل يجب تطوير البنية التحتية الصحية الداخلية .

ثانياً: الحروب المدمرة المستمرة في أكثر من دولة التي تزيد الفقر فقراً وبؤساً . هنالك أكثر من 500 صراع حصل ويحصل منذ سنة 1990 وينتج عنها الخطف والقتل والبؤس . من نيجيريا إلى الصومال مروراً بالكونغو وإفريقيا الوسطى، تبقى القارة مركز النازحين والمهجرين والمضطهدين . الأوضاع الأمنية داخل بعض الدول ما زالت غير مستقرة بل قابلة للانفجار .

ثالثاً: استمرار التطور الإفريقي يعتمد على تقوية الطلب الداخلي أي القوة الشرائية للمواطنين . المطلوب إذاً محاربة الفقر وتحسين الأوضاع الاجتماعية والمعيشية . انخفضت نسبة الفقراء من 50% في سنة 1990 الى 31% اليوم وهذا غير كاف . هنالك طبقة وسطى يزيد عددها اليوم على 350 مليون شخص والمطلوب أكثر . الأمل كبير بسبب احتواء القارة على المواد الأولية الكثيرة المطلوبة في الانتاج . الأمل كبير لأن القطاع الخاص ينهض بحيث يستوعب العمالة ويستثمر ويصدر أكثر بكثير من السابق. 

المصدر- مباشر

زر الذهاب إلى الأعلى