الصوماليون والإنتماء للوطن

الوطن هو الحضن، حضن الأم، فيه الدفء والأمان ، وفيه الأمل والملاذ. منه خُلقنا وفيه نعود . ومهما شرقنا أو غربنا فلن نجد خيرا منه. ولن نجد من دونه  بديلا. ومن يعقد غير ذلك يلق أثاما. بلادك وان كان كوخا حقيرا قرعا، فأنت فيه ملك. وفي بلاد الغربة، مهما عشت في صروح الشاهقات وناطحات السحاب، فأنت فيها صعلوك، يعيش على الهامش، وإسمك في سجل المهاجرين. 

ولهذا سمي البلد الأصلي وطن الأم، والأم يجب أن تنحى، وعقوقها احدى الكبر،  وذنب لا تغتفر. 

الشعور العميق بالانتماء إلي الوطن ليس مجرد كلام أو ادعاء، لكن هو ما وقر  في القلب وصدقه العمل، وشهد له الخلق، وترك بصمة في نفوس المواطنين،  وضرب أروع المثل في المشاركة في الخدمة العامة، والسهر على رقي الوطن، والابتعاد عن الفساد والرشى والمحسوبية، وتفضيل الناس على حسب الإنتماء الفكري أو المذهبي أو القبلي. 

تتجلى أروع صور اللإنتماء الحقيقي للوطن في الإلتزام بقيم المواطنة، واحترم القوانين، والدفاع عن شرف الأمة والذود عن حياضها، والوقوف على وجهه الأعداء، ودحض نفثاته وهمزاته بالقلم والكلم. 

الإنتماء الحقيقي للوطن هو إماطة الأذى عن الطريق، والمشاركة في المحافظة على النظافة العامة للشوارع والأرصفة، والإلتزم بقوانين السير، وإشارات  المرور.

الإنتماء الحقيقي للوطن هو أن يقوم السياسي بما فيه مصلحة البلاد ويبتعد عن كل ما يؤدي الي الإخلال بأمن وسلامة الوطن وحدة أراضيه، وعلى التاجر الا يقوم برفع الأسعار بدون أي مبرر لتحقيق أرباح أكثر عن طريق إستغلال المواطنين، وصاحب المطعم لا يكون منتميا لوطنه إذا كان يغش الزبائن ويتلاعب بالأسعار أو يضيف أصنافا لم يطلبها الزبون على الفاتورة . 

والانتماء الحقيقي للوطن هو ان يثبت المعلم حبه للوطن عن طريق الإخلاص في تدريس طلابه لكي يؤهلهم ليكونوا رجالات المستقبل الذين ينتظرهم الوطن.

لكن للأسف، فالحرب الأهلية التي اندلعت في الصومال مطلع التسعينات لم تأت على الحجر والبشر فقط وانما دمرت أيضا قيم المواطنة في بلادنا وألغت المفاهيم الصحيحة لحب الوطن، والعمل من أجله، والشعور العميق بالانتماء إليه، نزعت الحس الوطني، وروح الإنتماء من نفوس الصومالين ، وجعلتهم  عاقين ،  يفضلون إنتمائهم القبيلي على ولائهم للوطن ، حتى بات الصومالي يعمل كل شيئ من أجل  عقيدة جماعته ، ويضحي أغلى ما عنده في سبيل  عشيرته، ولسان حاله وهل أنا إلا من غزية إن غـوت، غويت، وإن ترشد غزيـة أرشد، لكن عندما يتعلق الأمر بالوطن تجده  يتخذ موقفا سلبيا، ويتخلى عن تحمل واجباته أمام الوطن والمواطنين. لايساهم في بناء الوطن ، ولا يشارك في إعادة اللحمة بين المواطنين، بل تجده عبأ على البلاد، وعائقا أمام تقديمه وازدهاره . 

لا نكاد نسمع اليوم صوتا واحدا سواء كان سياسيا أو من شخص عادي يتحدث عن المواطنة وتتلمس منه الشعور بالانتماء الحقيقي للوطن والإعتزاز به، أو يحاول إعادة إحيائها في نفوس الكبار وغرسها في قلوب الصغار الذين تربوا في حضن القبيلة، بل تتلمس من كل الخطابات السياسية والدينية مليئة بالبغض والعداء والكفر بعطاء الوطن والعلم.

 مهما يكن من أمر ، ومهما تمادي الأعداء في تشتيت الوطن، ومهما تخاذل البعض في  نصرة إخوانهم ، ومهما تقاعس الصوماليون في أداء واجباتهم تجاه الوطن فسيبقى علمنا الأرزق شامخا عزيزا يأبى أن يذل أو يهون. 

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى