الإحساس بالمسئولية

رغم عدم ورود لفظ “المسئولية” بشكل صريح في القرآن الكريم أو السنة النبوية الا أن هناك إشارت واضحة وردت في القرآن والسنة تأكد على أهمية المحافظة على الأمانة وتحمل المسئولية، و قال تعالي:(انا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا). وقال صلى الله عليه وسلم :  (كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول، فالأمير الذي على الناس راعٍ، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته، وهو مسؤول، والمرأة راعية على بيت زوجها، وهي مسؤولة، والعبد راعٍ على مال سيده، وهو مسؤول، ألا فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته).

وأن أبسط تعريف للمسئولية هي “التزام بأداء العمل المنوط به طبقا لماهو محدد” . وأن اللّا مسئولية هي “شعور المرء بأنه غير ملزم بعواقب أعماله”.

لكن هذا المبدأ السامي ، الشعور بالمسئولية لم يتجل أمام مجتمعنا الصومالي، وأن  اللاّ مسئولية أصبحت ظاهرة  شائعة  في أوساط المجتمع، حيث بات الجميع مسؤولون وأفراد عاديين لا يأبهون بثقل المسئولية وما يترتب من  تقصيرهم  في الأعمال التي أنيطت بهم أو الواجبات الملقاة على عاتقهم من مساءلة قانونية أو إدارية أو أخلاقية أو ربما جنائية.

في الصومال ، يتولى الشخص مسئولية عامة ويحلف أمام الدستور وأمام الشعب ثم تجده يتصرف كأنه لا يسأل عما يفعل، وكأن المسئولية ليست التزام الشخص بما يصدر عنه قولا وفعلا. ويبقى هذا المسئول في موقعه شهورا وسنوات دون انجازأو دون أن يترك بصمة واضحة فيما كان مسؤولا عنه تليق بمستوى منصبه، ثم يغادر من موقعه من دون أن يسأله أحد عن أسباب فشله أو أخطائه التي ارتكبها بحق الوطن والمواطنين أو على  الأقل دون أن يبدي أدنى شعور بالخجل تجاه إخفاقاته وأخطائه. والأعجب من ذلك تجد هذا المسئول يعود مرة ثانية الي أروقة الدولة وينبري للشعب ليتولى مهامّات أخرى.

ظاهرة عدم  الشعور بالمسئولية لا تقتصر على المسؤولين فقط، وانما هي آفة عامة تنخر في جسم المجتمع الصومالي، حيث يشكو الجميع من ضعف الإحساس بالمسئولية حتى بلغ الأمر لحد جنوني ننتظر كل شيء من المسؤولين ونصب جام غضبنا على الحكام دون ان نحرك نحن ساكنا ، فالشباب ينتظرون من الحكومة أن توفر لهم التعليم وأن تضمن لهم العمل بعد التخرج دون أن يحس  أحدهم مسئولته تجاة البلاد ودون ان يساهم في تنمية الاقتصاد بالأفكار والمبادرات والإبداعات . فلو كان هناك قدر من الشعور بالمسئولية لدى الشباب ما تقاعسوا ولو لحظة واحدة عن تحمل مسئولياتهم تجاه أنفسهم، ولبذلوا قصارى جهدهم من أجل البحث عن فكر أو رأي لتنمية اقتصاد البلاد. 

أما الكهول والشيوخ في مجتمعنا، لا يزالون ينتقدون الحكومة ويشتكون من الضياع وعدم حصولهم على الرعاية اللازمة دون ان يتحملوا تبعات أفعالهم وما فاتهم عندما كانوا شبانا من قصور في أداء واجباتهم تجاه بناء الوطن . 

وأساس مشكلة عدم الشعور بالمسئولية تكمن في التربة، وإنها بدأت من البيت، حين فشلنا في تربية الأطفال بالتربية الصحيحة وتقوية الشعور بالمسؤولية عندهم، حيث يتربى الطفل الصومالي إما في ظل حماية زائدة أو  أهمال مفرط من قبل الوالدين، فالأم ترضع  طفلها  بحنان  أو  بدون مبالاة، وعندما يبلغ سن التعليم ترسله الي المدرسة تحت حماية زائدة من الأسرة أو تتركه هملا يفعل ما يشاء دون أن تعلمه الاعتماد على الذات والاحساس بالمسئولية تجاه نفسه وتجاه المجتمع والوطن. 

وفي المدرسة يلتقي الطفل معلما أعدّ له كل ما يحتاجه من المواد الدراسية ويحفّظه حفظا دون عناء أو جهد ذاتي من الطفل، ولذلك عندما يتخرج هذا الطفل تجده شابا مدللا ، ليس عنده احساس بالمسؤولية  أو  كسولا ليس لديه أي حس وطني، ينتظر كل شيئ من غيره.. وبالتالي أصبحنا شعبا  مستهلكا غير منتج يعتمد على المساعدات والمعونات الخارجية. 

إن الشعور بالمسئولية سواء كانت مسئولية فردية أو جماعية أمر له علاقة بتطور المجتمعات ولا يمكن أن تتخقق تنمية أو تطور في مجتمع يشكو من ضعف الشعور بالمسئولية ولايؤدي واجباته بأكمل وجه- “ ان الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه” -ولا يتحمل تبعات أقواله وأفعاله ؛ لأن الاعتراف بالخطأ وتحمل المسئولية دليل على القوة والنضج والإنصاف التي هي من أهم متطلبات الإنطلاق نحو القمة  .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى