صرخة من ذوي الاحتياجات الخاصة في الصومال

المعاقين

في خضم المشاكل والمأسي التي يعاني منها الشعب الصومالي، نتيجة الحروب والكوارث، تختفي صرخة طلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، ولاسميا المكفوفين منهم. لا أحد يسمع أصواتهم ولا أحد يلبي احتياجاتهم. وتتبدد آمالهم وأحلامهم في الجري وراء حقوق يكفلها القانون وتمنعها الظروف والتقصير، حيث تختفي ملفاتهم وطلباتهم في رفوف مكاتب المنظمات والجهات المختصة وسط تقصير واضح من المسؤولين وصناع القرار في البلاد.  

في برنامج احتفالي بمناسبة عيد الفطر المبارك نظمتها وزارة الإعلام الصومالية  في مقر الوزراة بمقديشو، تحدث مسؤولون في مدرسة “البصير” عن تحديات كبيرة تعتري طريق أطفال المعاقين في البلاد عموما وفي المدرسة على وجه الخصوص، نحو بناء مستقبل أفضل يضمن لهم الاندماج في المجتمع ويحقق لهم جانبا من طموحاتهم وأحلامهم، وأن معظم تلك التحديات كما ذكرها مدير المدرسة لا تتمثل في الأهداف الاسترتيجة وانما تتعلق  بأمور بسيطة مثل دفع الإيجار الذي يبلغ ٥٠٠ دولار، ورواتب المعلمين والكهرباء والمياه. 

مدرسة “البصير” هي إحدى مدارس المعاقين بصريا في العاصمة الصومالية مقديشو، وتؤوي المدرسة حوالي ٣٠ طالبا وطالبة من ذوي الإعاقات البصرية من أصل ٢٩٧ طفلا تم تسجيلهم عند بداية المشروع، لكن العدد الباقي لم يحالفهم الحظ في الانضمام الي المدرسة لأسباب تتعلق بالقدرة الاستيعابية للمدرسة التي هي عبارة عن ثمان غرف بسيطة غير مهيأة أساسا، من حيث استخدام الوسائل التعليمة الخاصة للطلاب المعاقين بصريا وخصوصا الوسائل المعتمدة على حاستي السمع واللمس.

مدير  مدرسة البصيير

وأوضح أبيكر حسين بشير، مدير مدرسة “البصير”  في خطاب له خلال الحفل بمناسبة العيد عن مشاكل صعبة تواجه المدرسة.

وقال:“ رغم الظروف الصعبة التي واجهتنا خلال تدشين هذا المشروع الا أننا استطعنا بفضل الله في اجتياز بعض تلك العقبات، لكن  التحدي الأكبر في هذا الوقت يتمثل في غياب الدعم سواء كان من الحكومة أو المنظمات الخيرية”.

وتابع قائلا: “لدينا الآن مدرسة  تتكون من ٨ غرف، وعدد طلابها يبلغون حوالي ٣٠ طالبا وطالبة. كما تتوفر لدنيا بعض الوسائل التعليمية الخاصة للطلاب المعاقين التي حصلنا عليها من منظمة ماليزية ”

وأكد أبيكر حسين بأنهم يواجهون ضائقة مالية، تهدد كل ما حققوه خلال الفترة الماضية.

وقال: “لا نستطيع دفع إيجار المنزل ورواتب المعلمين وحتي فاتورة الكهرباء لا نستطيع تسديدها ناهيك عن المعاناة التي يسببها ضيق المكان الذي لا يتستع للطلاب ولا الوسائل التعليمية التي تحتاج الي أماكن واسعة” 

وفي هذا السياق أشار أبيكر الي أن المدرسة تم نقلها من مواقع عدة في مقديشو وأن مقرها الحالي الذي يقع في ناحية  “وابري” وسط المدينة هو المقر الرابع الذي انتقلوا اليه قريبا، وذلك إما بسبب عدم قدرة دفع الإيجار أو ضيق المكان، مطالبا المحسنين في انحاء العالم ولا سيما في العالم العربي الي تقديم الدعم  لهؤلاء الطلاب المكفوفين الذين تم جمعهم من مناطق مختلفة في الصومال.

عبدالقادر محمد علسو رجل مكفوف وهو أيضا من مسؤولي المدرسة، استعرض كذلك الظروف الصعبة التي تأسست بها المدرسة والعقبات التي تواجههم بعد أن اعتذرت بعض الجهات المحلية التي وعدتهم بالمساعدة داعيا المؤسسات الحكومية  والمنظمات الأهلية الي دعم المدرسة، لتكون نافذة أمل لمئات من الأطفال المعاقين في البيوت الذين يتصلون بهم بين الحين والآخر أملا في الحصول على مقاعد في المدرسة.

علسو

 

وقال  عبدالقادر مخاطبا لوزارة التربية والتعليم الصومالية “ إن طلاب المعاقين بصريا يحتاجون الي دعمكم وهذا حقهم عليكم، لذلك التفتوا لهؤلاء الطلاب بعين الرحمة.. أجركم الله ”

وتابع  “انه يطالب من الوزارة  ان تسمح لهم العمل في احدى المباني الحكومية التي يسكنها النازحون حاليا، لأن الأطفال المعاقين أحق بها من هؤلاء”.  

كما ناشد عبدالقادر الذين أنعمهم الله عليهم بنعمة البصر بالمد يد العون الي إخوانهم المكفوفين المحتاجين الي دعم ذوي الأبصار.

فمشاكل أطفال المعاقين بصريا  في  الصومال عموما وفي مدرسة “البصير” على وجه الخصوص، لا تقتصر على تلك التي تحدث عنها المسؤولون، لكن هناك مشاكل أخرى أشار اليها بعض طلاب مدرسة “البصير” خلال الحفل، بشكل مؤثر لخص واقع ومعاناة تلك الشريحة من الأطفال.

يواجه هؤلاء الأطفال رغم ألم الإعاقة، والمشاكل الانسانية الأخرى، تحديات جسيمة تهدد مستقلهم التعليمي وتكاد تقضي على طموحاتهم وتطلعاتهم لمستقبل أفضل.

 فهؤلاء الأطفال يفتقرون الي أبسط الحقوق التي كفلها إعلان الأمم المتحدة حول حقوق المعاقين، فلا يجدون حقوقهم كاملة في التأهيل والرعاية والإهتمام، وحقهم في التعليم وتنمية قدراتهم ومواهبهم لتسريع عملية اندماجهم في المجتمع.  

عبدالرحمن جيلاني مية، طالب مكفوف يبلغ من العمر ١٦ عاما، ولد في قرية أوطيغلي القريبة من مدينة أفجوي جنوب مقديشو، فقد بصره وعمره ٧سنوات. 

في ظل الأوضاع المأساوية في الصومال، لم تكن أمام عبدالرحمن فرصة للتعليم سوى مدرسة تحفيظ القرآن الكريم، وكان يعتقد بانه غير قادر على التعليم بسبب الاعاقة بالرغم من تفوقه على أقرانه في مدرسة القرآن، لكن لحسن الحظ، علم والده عبر أقرباء له بوجود مدرسة “البصير “ في مقديشو فألحقه بها. ويعتبر عبدالرحمن الآن أحد الطلاب النشيطين في المدرسة، ويجيد لغة البريل، ويتكلم بالأنجليزية والسواحلية .

عبدالرحمن

 

وقال عبدالرحمن جيلاني: “في الماضي لم أكن أعتقد ان المكفوفين بامكانهم ان يتعلمون لكن الآن رأيت أننا لا تختلف كثيرا عن الطلاب الذين أنعم الله  عليهم بنعمة البصر.

وتابع: “ في مدرسة “ البصير “ تعلمت أولا لغة البريل بمستوياتها الستة ثم تعلمت الأبجدية واللغة الانجليزية والسواحلية .. وهذا الانجاز رفع سقف طموحي  وتأكدت بأنني قادر على التعلم وبناء مستقل أفضل مثل الأطفال الذين يتمتعون بنعمة البصر”.

لكن عبدالرحمن الذي يحلم أن يكون صحفيا مرموقا، يبدي مخاوفه إزاء العقبات التي تواجه المدرسة من أن تحول دون تحقيق أهدافه وطموحاته . 

وطالب من المحسنين في الداخل والخارج الي مد يد العون للمدرسة ومساعدتها في الحصول على مقر أوسع من الحالي تتوفر له ساحة كبيرة يلعبون فيها ومسجدا يصلون فيه.أمل

أما أمل عبدالله أحمد التي تتمنى أن تتخصص بالعلاقات العامة تقول ان لغة البريل هي التي فتحت لها آفاقا واسعة ومستقبلا مشرقا.. “ فأنا اليوم أستطيع ان أطبخ كما يطبخ الاشخاص العادين وأعرف القراءة والكتابة واستخدام الحاسوب الآلي..”

 وأضافت : أنها تتمنى أن تجد من يسمع صرختها، ويساعدها في التغلب على ما تواجه من مصاعب تعترض مسيرتها التعليمية.

حقوق أطفال المعاقين حقوق مشروعة تكفلها الشرائع والقوانين الدولية ولا ينبغي في أي حال من الأحول أن تكون حقوقهم أقل من حقوق الأطفال غير المعاقين، غير ان الوضع في الصومال مختلف وان الأطفال المعاقين في هذا البلد يواجهون مشاكل مضاعفة جراء الحرب والعنف المستمر أكثر من ٢٣ عاما، فهم بأمس الحاجة الي الدعم والرعاية والمساندة من قبل المحسنين وأهل الخير . 

ومن الروابط التالية يمكن الإطلاع على أوضاع أطفال المعاقين : 

http://radiomuqdisho.net/wasiirka-warfaafinta-oo-kulan-qado-ah-la-qaatay-carruur-indhoolayaal-ah-sawirro/

https://www.youtube.com/watch?v=9WZlG6RT4I4&list=UUdUp_rn9hENOs1feh1tmYrg

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى