من يقتل الصحفيين في الصومال؟

حتما، أول ما يتبادر الي الاذهان عند محاولة الإجابة عن هذا السؤال هو تنظيم “الشباب”؛  لأن الإغتيالات المنظمة التي تستهدف الصحفيين في الصومال تحمل بصمات تنظيم القاعدة وأخواتها حيث يستخدم في تلك العمليات غالبا بعبوات توضع في سيارات الصحفيين أو يتم تنفيذها من قبل ملثمين يطلقون عدة رصاصات قاتلة على الصحفي، والذين لا يركون أحيانا مكان الجريمة الا بعد التأكد من مقتله ثم يلوذون بالفرار. لكن بالرغم من تلك القرائن، هل يمكن وجود جهات أخرى لها دور في مسلسل الاغتيالات التي طالت الصحفيين في الصومال؟.

لكي نفهم الموضوع جيدا، فلنبدأ من السؤال المهم. لماذا لا يتبني أحد هذه الإغتيالات سواء أكانت حركة الشباب أوغيرها ؟!. فنتظيم الشباب ناذرا ما يعلن مسؤوليته عن تلك العمليات بشكل رسمي وصريح، بل يلتزم الصمت وإن أرسل في بعض الاحيان إشارات يمكن القرأة منها بأنه مرتاح لما يصيب الصحفيين. 

لعلنا لا نبالغ إن قلنا: لا توجد حادثة واحدة اغتيل أوصيب فيها صحفي وتبنتها حركة الشباب وأعلنت مسؤوليتها عنها بشكل رسمي. حتى الإغتيالات التي طالت صحفيين بارزين يعملون لصالح الحكومة لم تعلن الحركة مسؤوليتها  في بيان أو تصريح رسمي، كما تفعل عادة عندما يتعلق الأمر بالهجمات التي تتعرض لمواقع الحكومة أو الاغتيالات التي تطال مسؤولين في الحكومة والعاملين في مرافق الدولة. 

لا يعني هذا الكلام بأني بصدد تبرئة ساحة حركة الشباب وابعادها عن مواطن التهم. فهي ربما تكون المتهم الرئيسي اخلاقيا لما يتعرض للصحفيين من اغتيالات وتهديدات  بغض النظر عما اذا كان هناك متهمون آخرون، وذلك لعدة أسباب نذكرها بعجالة. ومن أول هذه الأسباب أن حركة الشباب هي المسؤولة عن خلق الأجواء والبيئة الصالحة لحدوث مثل تلك العمليات الهوجاء التي تستهدف الأقلام الحرة لود الحقيقة. 

والسبب الثاني ان الحركة تعمل وفق القاعدة البوشية ( جورج بوش) المشهورة “ اذا لم تكن معي فانت اذن ضدي” وتصنف الناس على أنهم فسطاطين لا ثالث لهما فريق مع “الحق” وهو الذي يؤيدهم ويشترك معهم في حربهم ضد النظام السياسي والإجتماعي في البلاد، وفريق يعارض أفكارهم من الأساس ولا يوافق على آرائهم. وبالتالي فهذا الفريق بالنسبة للشباب يعد ضمن مجموعة “الأعداء” التي تستحق القتل. ولا فرق بين من هو موظف حكومي كبير أو عامل بسيط لا يهمه سوى لقمة العيش وضمان حياته وحياة أسرته، وهما سيان في الجريمة.

ولذلك ليس أمرا غريبا ان تمارس الحركة فظائع وتجترأ على ارتكاب عمليات إبادة ضد العاملين في القطاعات المدنية بالدولة ولا سيما القطاع الإعلامي، حصدت خلال السنوات الأخيرة السيارت المفخخة ورصاصات الملثمين أرواح عشرات من الاشخاص الذين كانوا يعملون في المراكز الصحية والبلديات وفي المجلات الانسانية الاخرى.

 أما السبب الثالث لما يشكل الإعلام الحر من تهديد على أفكارها. فحركة الشباب هي المستفيد الأول من قتل الصحفيين وترهيبهم واجبارهم على ترك عملهم؛ لأن الحصول على الأخبار تعتبر اليوم بالنسية للمواطن العادي مسالة مهمة وهو بأمس الحاجة الي معرفة الأخبار اليومية لمواكبة الأحداث المتسارعة في بلاده كي يكون ملما بحيثيات ما يجري من حوله. وهذا أمر ربما لا تريده حركة الشباب، لأن الصحافة في الصومال بدأت في السنوات الأخيرة بلعب دور هام في تشكل رأي عام مؤيد أو مناهض لأطراف الصراع في البلاد، ونجحت  في صناعة رأي عام معارض لتنظيم الشباب، ودفع شرائح كبيرة من المجتمع الصومالي الي التخلي عن دعمها لـلتنظيم الذي كانوا يعتقدونه بأنه الوحيد القادر على إعادة الأمن والاستقرار للبلاد .

رغم كل هذه الخيوط والأدلة شبه الثابتة الأخرى التي يمكن استخدامها في إدانة الشباب وتحميله على مسؤولية الاغتيالات التي تستهدف وجوه الصحافة البارزة الا أنه بطبيعة الحال يجب علينا الا نتجاهل عن الخيوط الأخرى التي يمكن احيانا أن تقودنا الي مجرمين حقيقيين لا ينتمون الي حركة الشباب أو على الأقل يتعاونون معها في ارتكاب تلك الجرائم البشعة. 

ولا بد ان نعترف بامكانية وجود جهات اخرى تصطاد من المياه العكرة وتقوم بتصفية الصحفيين وقتلهم بدم بارد لحاجة في أنفسهم. اذا من الخطأ الكبير أن نختزل الموضوع كله في تنظيم الشباب ونفوت الفرصة على معرفة المجرمين الآخرين الذين يحتمل أنهم متورطون في تلك الأعمال المشينة. 

اذا لم نجانب الصواب فان هناك حقائق وبراهين واضحة تشير الي جهتين أخريتين يمكن الاتهام بهما بارتكاب جرائم بحق الصحفيين؛ أحداها، جهة متنفذة داخل العاصمة مقديشو التي ترى أن مصالحها مهددة من قبل الصحافة حيث لا تتورع عن استهداف الصحفيين بهدف إسكات الأصوت المهددة لمصالحهم وارسال رسائل واضحة الي كل من تسول نفسه بالاقتراب من مواقع تلك الجهات.

 وفي تقرير نشره موقع قناة الجزيرة الإخباريو المح محمد إبراهيم باكستان الأمين العام للاتحاد الوطني للصحفيين الصوماليين وصحفيون آخرون وجود أطراف أخرى متورطة بعمليات اغتيال الصحفيين. 

وقال بكستان لموقع قناة الجزيرة” إن من يقتل الصحفيين هم إما حركة الشباب وإما “سياسيون متنفذون أمنيا يعملون ضمن الأجهزة الحكومية”، معتبرا أن ما يرجح الفرضية الأخيرة هو أن أغلب التحقيقات “لا تسفر عن شيء” حيث لم يعاقب في كل حوادث القتل المتلاحقة للصحفيين إلا شخص واحد، كما أن أغلب الاغتيالات جرت بمناطق تسيطر عليها الحكومة”.

وأضاف بكستان “أنه في الحالات التي يقتل فيها مدنيون عاديون يُقبض بسرعة على قتَلتهم، وحين يتعلق الأمر بالصحفيين تغيب الحقيقة”.  

والطرف الثاني الذي يمكن أن يتورط في جرائم قتل الصحيفين هي جهات تريد الثأر كما كان الحال في التسعينات من القرن الماضي وأثناء حكم أمراء الحرب، كان رجال من عشيرة “أ” يدعون الي الثأر وقتل الأشخاص المرموقة من عشيرة”ب” أو العكس. 

لعل البعض يرى ان تلك  الفرضية فرضية خاطئة تنقصها الأدلة، ويتبادر الي أذهانهم نقد معقول وهو أن  الجهات المتهمة غير موجودة في هذه المرحلة، وان عهدها قد ولي في ظل تغير الظروف واللاعبين في الساحة الصومالية، كما انه ليس بمقدور تلك الأطراف ان تنفذ مثل تلك العمليات المنظمة عالية الدقة. فهذا الرد مقبول ومستصاغ، لكننا في ذات الوقت يجب أن ننتبه أن مصالح تلك الجهات يمكن أن تتقاطع مع مصالح حركة الشباب كما ينبغي الا نتسرع في تقليل شأن الثأر القبلي وقدرة رجالات العشيرة على تخطيط وتنفيذ مثل هذه الإغتيالات في ظل توفر العلم والخبرة لانجاز ذلك بالإضافة الي سهولة الأهداف. 

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى