شبكة ( إيرين ) تنشر تقريرا عن حقيقة الجيش الصومالي

ابتسم العميد إبراهيم يارو، القائم بأعمال حاكم بيدوا وقائد القطاع الثالث في الجيش الوطني الصومالي، ابتسامة عريضة كادت تتحول إلى ضحكة مكتومة عندما سُئل عما إذا كانت قواته تمتلك طائرات هليكوبتر خاصة بها. وقال في حديثه مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، وهو يشير إلى شاحنة صغيرة تحمل رشاشاً ثقيلاً عيار 14.5 ملليمتر: “هل ترى هذه السيارة؟ هذا هو أقوى سلاح نملكه في القطاع [الذي يغطي مناطق باي وغيدو وباكول]. إنها مقترضة من إحدى العشائر على سبيل الإعارة مجاناً، على الرغم من أننا [الجيش الوطني الصومالي] ملزمون بإصلاح أي أعطال ميكانيكية. ولكنهم [العشيرة] يستطيعون استردادها وقتما شاؤوا”.وتستخدم ثكنات الجيش الوطني المتداعية في بيدوا لفة واحدة من الأسلاك الشائكة كحاجز عند مدخلها – في تناقض صارخ مع القاعدة الحصينة المجاورة التابعة لبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (أميسوم)، والتي تضم جنوداً من إثيوبيا وبوروندي وغيرها من الدول الأفريقية، فضلاً عن وحدة صغيرة من القوات الخاصة الأمريكية.

ويتوجب على أفراد الجيش الوطني الصومالي تسليم أسلحتهم – إذا كانت لديهم أسلحة – إلى حراس بعثة الاتحاد الأفريقي قبل دخول مجمع أميسوم.

كما لا يوجد زي رسمي لقوات الجيش الوطني الصومالي، إذ يرتدي بعض أفراده ملابس مدنية بينما يرتدي آخرون مجموعة متنوعة من الأزياء العسكرية. وكان ثلاثة من ضباط الجيش الوطني الصومالي الذين يجلسون على بعد أمتار قليلة زي التمويه، ولكن أحدهم لديه زي صيني، والثاني تركي والثالث أمريكي.

وقال يارو: “هذا صحيح… فنحن ]الجيش الوطني الصومالي[ لا نملك زياً رسمياً أو كميات كافية من الذخيرة. يحتوي مخزن البندقية من طراز AK-47 على 30 طلقة لكل جندي، ولكن إذا كان هناك شخص لديه ثمانية مخازن هل من الممكن أن تشتبك معه في قتال؟”

وأضاف يارو، الذي كان جندياً في جيش الرئيس السابق محمد سياد بري، أن “حركة الشباب لديها ذخيرة أكثر منا، وبعثة الاتحاد الأفريقي ليست مستعدة لمنحنا كمية أكبر. يستطيع الجيش الوطني الصومالي القيام بمزيد من الأنشطة في المنطقة، إذا امتلك المزيد من الذخيرة”.

حركة الشباب لديها ذخيرة أكثر منا، وبعثة الاتحاد الأفريقي ليست مستعدة لمنحنا كمية أكبر

وتجدر الإشارة إلى أن الجيش الوطني الصومالي يجري اعداده ليصبح الدعامة الأساسية لأجهزة الأمن في البلاد، ولكنه لا يزال الشريك الأصغر لبعثة الاتحاد الأفريقي. وقد قدمت الخطة القومية لتحقيق الاستقرار والأمن (NSSP) التي صدرت في عام 2012 مخططاً لإعادة بناء قوات الأمن الصومالية يتصور وجود 28,000 جندي محترف و12,000 رجل شرطة بتكلفة تصل إلى 160 مليون دولار على مدى ثلاث سنوات، بما في ذلك إصلاح القضاء. كما حدد مؤتمر الصومال الذي عُقد في لندن عام 2013 الأمن كأولوية لإحياء الدولة الفاشلة منذ عقدين. وقد تعهدت الدول المانحة الأوروبية بتقديم أكثر من 100 مليون دولار لقطاع الأمن.

 من جانبها، قالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان صدر في مارس 2014 أن الولايات المتحدة قدمت أكثر من 512 مليون دولار في كدعم مالي لبعثة الاتحاد الأفريقي منذ عام 2007، وكذلك 171 مليون دولار لتطوير “جيش وطني صومالي فعال ومهني”.

دعم الأمم المتحدة

وفي يناير 2014، بدأ مكتب الأمم المتحدة لدعم بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (UNSOA) تقديم “الدعم غير القتالي لوحدات الجيش الوطني الصومالي في عمليات على خط الجبهة مع قوات الاتحاد الأفريقي،” كما أفاد ماركوس وايس مسؤول التنسيق والتخطيط في مكتب الأمم المتحدة لدعم بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).

 وتجدر الإشارة إلى أنه بعد سقوط بري في عام 1991 وتفكك واحد من أكبر الجيوش الأفريقية في ذلك الوقت، شهد الصومال فراغاً عسكرياً أدى إلى بدء حقبة أمراء الحرب. وتم إصلاح الجيش لأول مرة في عام 2000 من قبل الحكومة الوطنية الانتقالية، ثم مرة أخرى من قبل الحكومة الاتحادية الانتقالية في عام 2004.

 وأوضح وايس أن “قرار ]الأمم المتحدة في عام 2013[ وضع حدوداً لحزمة الدعم المقدمة من مكتب الأمم المتحدة لدعم بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال بحيث تقتصر على توفير ستة بنود أو خدمات (الغذاء والماء والوقود والنقل والخيام والدعم الطبي). ويخضع الدعم لشروط، مثل تسجيل وفحص قوات الجيش الوطني الصومالي، والامتثال لسياسة الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان، والتدريب الإلزامي للآخرين”.

 وأضاف قائلاً: “حتى الآن، قدم مكتب الأمم المتحدة لدعم بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال الدعم لنحو 3,600 من أفراد الجيش الوطني الصومالي في القطاع الثالث و1,000 جندي في القطاع الرابع لأغراض التدريب فقط. وبمجرد الانتهاء من التدريب، ننتظر من هذه القوات أن تشارك في عمليات مشتركة مع قوات الاتحاد الأفريقي. وفي القطاعين الأول والخامس، نوشك على بدء التدريب بينما ننتظر تأكيداً من الجيش الوطني الصومالي فيما يتعلق بدعم القطاع الثاني. وإجمالاً، سيتم دعم 10,900 جندي من الجيش الوطني الصومالي كحد أقصى في الأشهر الـ 12 الأولى”.

 “إننا لا نزال في المراحل الأولى من دعم مكتب الأمم المتحدة لدعم بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال للجيش الوطني الصومالي، لكننا نتوقع تسارع وتيرة هذا المشروع في النصف الثاني من عام 2014،” كما أشار.

 الولاء للعشائر

 ويرفض يارو أي تلميح إلى أن الولاءات العشائرية بين أفراد الجيش الوطني الصومالي، أو ضعف الراتب (100 دولار شهرياً بالإضافة إلى 30 دولاراً للطعام – تقدمها الولايات المتحدة وإيطاليا)، تعوق الاستعداد القتالي لجنوده، ولكن الشركاء العسكريين من بعثة الاتحاد الأفريقي لا يتفقون معه في الرأي.

وأكد العقيد غيبريهاويرا فيتوي، منسق الشؤون المدنية والعسكرية في القوة الاثيوبية في القطاع الثالث، خلال حوار مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن “الولاء العشائري مشكلة كبيرة والنفوذ العشائري يحد من ]عمليات الجيش الوطني الصومالي. فالشرطة على وجه الخصوص مكونة على أساس عشائري، ولكن الجيش أفضل قليلاً. كما أن قيادة الجيش الوطني الصومالي ضعيفة للغاية”.

 وتوجد ثماني كتائب تابعة للجيش الوطني الصومالي في القطاع الثالث: أربعة في بيدوا، واثنتان في كل من باكول وغيدو. وتعتبر الكتيبة أصغر وحدة عسكرية قادرة على القيام بعمليات مستقلة – شريطة أن تكون لديها المعدات اللازمة – ويمكن أن يتراوح عدد أفرادها بين 300 و 1,200جندي.

الولاء العشائري مشكلة كبيرة والنفوذ العشائري يحد من ]عمليات[ الجيش الوطني الصومالي

“قد يكون هناك ثماني كتائب [من الجيش الوطني الصومالي في القطاع الثالث] ولكن أكبر عدد في الكتيبة الواحدة هو 250 جندياً على الأرجح، وأقل عدد يبلغ حوالي 150 جندياً،” كما أفاد فيتوي، مما يعني أن كتائب الجيش الوطني الصومالي لم تصل إلى القوة اللازمة.

وحذر قائلاً: “هناك مشكلة تتمثل في قيام الجيش الوطني الصومالي بأعمال أمنية خاصة [بسبب تدني الأجور] وهم يطلبون منا ذخيرة طوال الوقت. يأتي الجنود من العشائر كما أن الجيش بأكمله تقريباً حديث التجنيد. فلا توجد مهارات تكتيكية، وليست هناك قيادة أو سيطرة،” حيث يذهب جنود الجيش الوطني الصومالي إلى قواعدهم ويغادرونها كما يشاؤون.

وقد استعادت قوات بعثة الاتحاد الأفريقي والجيش الوطني الصومالي السيطرة على مساحات شاسعة من المناطق التي تسيطر عليها حركة الشباب، وخاصة منذ أن صدقت الأمم المتحدة على “مفهوم العمليات الجديد” (CONOPS) في فبراير 2012، الذي أدى إلى زيادة عدد قوات الاتحاد الأفريقي في الصومال من 12,000 إلى 17,731 فرداً نظامياً.

ويطلق بعض المحللين مصطلح “جز العشب” على استيلاء بعثة الاتحاد الأفريقي على الأراضي، لأنه يقمع تهديداً فورياً، ولكنه يفشل في معالجة الأسباب الكامنة وراء الصراع.

 تكتيكات متغيرة

وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال محمد مبارك، وهو محلل أمني يعمل في مقديشو ومؤسس منظمة مرقاتي (Marqaati)، وهي منظمة غير حكومية تعمل على مكافحة الفساد، أن نجاح بعثة الاتحاد الأفريقي في مواجهة حركة الشباب سيف ذو حدين، لأن “أميسوم ستتعرض لخطر النظر إليها كقوة احتلال بمجرد تحييد حركة الشباب بالقدر الكافي. ومع ذلك، فإن البعثة لن ترغب في الرحيل حتى تصبح لديها ثقة في قدرة الجيش الوطني الصومالي”.

وأشار فيتوي في هذا الصدد إلى أن طبيعة الصراع تتغير أيضاً، حيث لم تعد حركة الشباب تواجه بعثة الاتحاد الأفريقي طوال الوقت، وتبنت تكتيكاً أقرب إلى “حرب العصابات” يشمل استخدام أجهزة التفجير المرتجلة (IEDs) والألغام الأرضية.

وأضاف قائلاً: “ينبغي تغيير تكتيكات [أميسوم] في المستقبل. لقد حان الوقت للتحول إلى استخدام القوات الخاصة. لا تضم البعثة أي قوات خاصة، ولكن يمكننا استخدام وحدات صغيرة لنصب الكمائن لاصطياد الشباب”.

من جانبه، قال تسفاي غورماي، وهو عقيد في الجيش الإثيوبي ورئيس عمليات قوات الاتحاد الأفريقي في القطاع الثالث، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن الوضع الأمني في القطاع “غير مقلق” والمشكلة الأمنية الرئيسية هي “الصراع المتجذر داخل المنظومة العشائرية، وليس حركة الشباب”.

وفي هذا الصدد، قال مبارك في إحاطة قدمها لموقع الحوارات الأفريقية African Arguments في فبراير 2014: “منذ عهد الحكومة الوطنية الانتقالية، تمنح الحكومات الانتقالية في الصومال أوسمة عسكرية للعشائر وقادة ميليشيات أمراء الحرب لمجرد استرضاء تلك الجماعات [العشائر[“.

“وقد أدى ذلك إلى خلق جيش من الضباط شبه الأميين في كافة المستويات: من أمير الحرب إندها عدي الذي تمت ترقيته إلى جنرال من لا شيء بواسطة شريف شيخ أحمد [الرئيس الصومالي السابق خلال الفترة من عام 2009 إلى عام 2012] في عام 2010، إلى جنود اتحاد المحاكم الإسلامية الذين تمت ترقيتهم إلى رتبة نقيب ورائد اعتباراً من عام 2009،” كما أفاد.

 كما أخبر مبارك شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن “بعض العشائر تحظى بتمثيل أكبر في القوات المسلحة، بسبب السياسة العشائرية وواقع الأمر في الصومال خلال الحرب الأهلية، وتستخدم الجيش الوطني الصومالي كغطاء لتحقيق أهدافها”.

وأكد في الإحاطة أن “الولاءات العشائرية في الجيش الصومالي اليوم تتفوق على الهوية الوطنية. ومن دون تصحيح ذلك الوضع عن طريق إعادة تأهيل وتفكيك الميليشيات العشائرية، فإن الاستمرار في تسليح الجيش الصومالي سيصبح بمثابة تأجيج للحروب العشائرية”.

انتشار الأسلحة

وأشار فريق الرصد المعني بالصومال وإريتريا في جلسة إحاطة في فبراير 2014 – بعد الرفع الجزئي للحظر على توريد الأسلحة إلى الصومال الذي استمر لأكثر من 20 عاماً في مارس 2013، والذي تم تخفيفه لكي يتمكن الصومال من إعادة تجهيز قواته الأمنية – إلى الانتهاكات المنهجية العالية المستوى في إدارة وتوزيع الأسلحة والذخائر”.

 وأفادت الإحاطة أن “فريق الرصد قد حدد اثنين على الأقل من مراكز الثقل العشائرية المنفصلة لشراء الأسلحة داخل هياكل الحكومة الاتحادية الصومالية. ويبدو أن مجموعتي المصالح هاتين تنفذان أجندات عشائرية ضيقة، وفي بعض الأحيان تعملان ضد تطوير السلام والأمن في الصومال من خلال توزيع أسلحة على قوات أمن موازية وميليشيات عشائرية لا تشكل جزءاً من قوات الأمن الصومالية”.

يقول التجار الآن أن أكبر مصدر للأسلحة هو مخزونات الجيش الوطني الصومالي

“بالإضافة إلى ذلك، فقد حصل فريق الرصد على أدلة فوتوغرافية منفصلة على وجود طراز جديد من بندقية هجومية تشبه طراز AK في أحد الأسواق غير المشروعة، وهو مطابق لنفس النوع الذي قدمته إثيوبيا للجيش الوطني الصومالي. فالرقم التسلسلي لهذه البندقية هو أحد الأرقام التسلسلية المسجلة على البنادق التي قدمتها إثيوبيا في هالاني [المعسكر الحربي الرئيسي في مقديشو[،” كما أشارت مذكرة الإحاطة. 

 وبينت المعلومات التي حصلت عليها مجموعة الرصد أن ضعف الضوابط على الأسلحة والذخائر و”مصادرها في الأسواق يشير إلى أن الأسلحة تنقل إلى غالكاسيو، وهي مركز اتجار رئيسي في وسط الصومال، وكذلك تباع إلى حركة الشباب في جوبالاند (جزء من جنوب الصومال حيث تنتشر القوات الكينية)”.

 “كما تدعي مصادر في الأسواق أن معظم الأسلحة التي كانت تباع قبل نوفمبر 2013 كانت تأتي من السوق السوداء، في حين يقول التجار الآن أن أكبر مصدر للأسلحة هو مخزونات الجيش الوطني الصومالي،” بحسب مذكرة الإحاطة.

زر الذهاب إلى الأعلى