علي محمد جيدي في قصر الرئاسة

لايخفى علي من يتابع المشهد السياسي في الصومال هذه الأيام ان الرئيس حسن شيخ في سباق مع الزمن وبدأ يلعب بكل ما لديه من أوراق سياسية حتى وان اقتضى الأمر ان يتحالف مع “الشيطان” من أجل الدفاع عن كرسيه في ظل توسع جبهة المعارضين أوالمنتقدين لسياساته في إدارة شؤون البلاد. وليس سرا يكشف ان الرئيس بات في هذه المرحلة غير مهتم سوى شيء واحد، الصمود أمام العواصف السياسية والبقاء على رأس السلطة حتى  نهاية فترة ولايته التي تنتهي عام ٢٠١٦ وهو مستعد لدفع الغالي والنفيس في سبيل ذلك. 

ولا نبالغ ان قلنا انه لا يرى أي غضاضة في ان يعقد صفقات مع زعماء الحرب السابقين الذين قادوا البلاد الي الويل وعظائم الأمور، ويعينهم في مناصب رفيعة خوفا وطمعا لتأييدهم ودعم عشائرئهم بهدف كسر حدة المتحالفين ضده والساعين الي إسقاطه ومواجهة الكتل المعارضة له في البرلمان والتي تضم عددا من رفقاء دربه الذين بدأوا في الأيام الأخيرة بانتقاده علنا ومطالبته بالاستقالة بعد عامين من الحكم اتسمت كما قالوا بالتخبط في اتخاذ القرارات وعدم الوفاء بتعهداته.

فجأة وبشكل يثير أكثر من علامة استفهام، استدعى الرئيس حسن شيخ محمود، رئيس الوزراء الأسبق، علي محمد جيدي، واغدق عليه المال وضمه الي فريق مساعديه ومستشاريه ليحصن موقفه ازاء الذين يقفون لحكمه بالمرصاد. وهكذا اطل جيدي على الصومالين من القصر الرئاسي بمقديشو من جديد، بعد غياب دام أكثر من ٥ أعوام اختفى عن الأنظار، واجبرته الظروف السياسية على البقاء بعيدا عن المطبخ السياسي في البلاد. 

قبل عدة شهور كان هذا الأمر ضربا من الخيال. ولم يكن أحد يتوقع ان الرئيس حسن شيخ سيتحالف مع جيدي عراب الاحتلال الإثيوبي للصومال، ويجعله ضمن الأرقام الصعبة في دهاليز صنع القرار بمقديشو. لكن لا غرابة في ذلك؛ لأنه لا ثوابت في السياسة وان كل شيء واراد في قاموس سياسات الدول الفاشلة. الا أننا يجب ان نتسائل من يخدع من ؟!.

 لا يخفى على أحد ان هناك صفقة سياسية بين جيدي والرئيس تم طبخها خلف الستار وعلى عجل. رغم أننا لا نعلم على وجه الدقة ما هي معالم تلك الصفقة غير ان المتابع للمشهد السياسي يمكن له قرأة الواقع جيدا والتعرف  على الثمن الباهظ الذي يجب على الرئيس دفعه على صعيد الرأي العام المحلي مقابل تعاونه مع تلك الشخصيات المتهمة من قبل قطاع عريض من الشعب الصومالي بأن أياديهم ملطخة بدماء الصومالين التي أريقت خلال السنوات العجاف. 

ان شعبية الرئيس حسن شيخ سجلت خلال الشهور القليلة الماضية تراجعا كبيرا وستصل في الأيام المقبلة الي ادنى مستوياتها نتيجة تحالفه مع ألد أعدائه. كما سترتفع الأصوات المنتقدة لسياساته تجاه أزمات البلاد. هذه المرة ليست من السياسين واصحاب المصالح الفئوية وانما من عامة الشعب وقيادات المجتمع المدني وفي مقدمتهم العلماء والنخب المثقفة التي علقت آمالا عريضة على الرئيس حسن شيخ حين رأوه بأنه الأجدر من بين المتنافسين في الحكم اثناء انتخابات عام ٢٠١٢ وذلك بحكم انتمائه الي التيارات المدينة وخروجه من عباءة الحركات الاسلامية ذات التوجه الاسلامي المعتدل. وخير شاهد لذلك ما شهد في البرامج الحواري المفتوح الذي شارك فيه الرئيس حسن شيخ مطلع الأسبوع الماضي حيث وجهت له أسئلة حادة واتهمات مبطنة من قبل شخصيات اسلامية واخرى مدنية تتمتع بثقل شعبي واحترام كبير لدى المجتمع بسبب قراراته الأخيرة التي بدت وكأنه يريد اعادة النظام القديم عبر تعين شيخصيات سياسية بارزة تنتمي الي العهد البائد في أهم مفاصل الحكم في الدولة.

فالفرضية التي تقول ان الرئيس يرمي من خلال تحالفه مع رجلات عهد القديم، ضم جميع التيارات السياسية في البلاد  واستيعابهم في مرافق الدولة كي يبرهن انه رئيس لكل الصومالين وليس لفصيل أو تيار بعينه لا يمكن ان تنطلي على احد؛ لأنه كان يجب الا تكون تلك السياسة على حساب الوطن والمواطن المتطلع الي مستقبل واعد يضمن له الحرية والعدالة الاجتماعية. وليس عدلا باي حال من الأحوال ان يكافأ السياسيون الذين اخطأوا بحق الشعب وحرموا منه أبسط حقوقه طوال ٢٠ عاما الماضية على جرائمهم وان تسلم لهم مفاتيح البلاد على طبق من ذهب. 

 وهذا أمر لا يصدق وليس له تفسير سوى ان الرئيس قد اختار ان يقع في الفخ أو يسير في طريق مسدود، ليس له آفاق ونهاية مظلمة وسوادء وبالتالي سيخرج من الحكم اسرع مما يتوقعه البعض؛ لأن الجماعة التي يتحالف الرئيس معها لن تكون راضية عن قيادته وستطلب المزيد، بل لن يهدأ لها بال الا ان تراه وهو يخرج من القصر الرئاسي كما دخله قبل عام، خالي الوفاض بادي الإنفاض. وعندها لن يجد الرئيس حسن شيخ من يبكي على أيام حكمه. 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى