القطع الجائر للأشجار يهدد مستقبل الصومال

ما يتعرض للبيئة النباتية في بلادنا من اعتداء وتدمير أمر يثير اللوعة، فقد عبثت بها الأيادي البشرية بكل قسوة ودون الاكتراث بأهمية الأشجار للإنسان والحيوان، محولة مئات من الكيلومترات في المناطق الشجرية الي أراضي مكشوفة قاحلة، لا تجد فيها المواشي ما تأكل منه ولا يعثر عليها البدوي مكانا يقضي فيه حاجته.

لا توجد اليوم في أغلب المناطق الصومالية، تلك المناظر الجميلة التي كانت تمتاز بها في السابق، الأشجارالبواسق ذات الألوان البهيجة والغابات الواسعة ذات العطور الفواحة، والحيوانات غير الأليفة التي تلطف أجواء المكان، وتبهر عيون السياح. كل ذلك للأسف، صار اليوم أثرا بعد عين، تاركا وراءه أرضا صحراء، وأسرا تعيش على أقل من الكفاف، شاكية تحامل الزمان، وسوء الأقدر.

في كل يوم طلعت عليه الشمس يذهب عشرات من الشباب الصومالي الي البوادي والقرى النائية باحثين عن لقمة العيش من خلال قطع الاشجار دون تمييز، لإنتاج الفحم غير آبهين ولا حائفين من التأثير السيئ لهذا العمل على مستقبل البلاد، حتى أصبحت تجارة الفحم النباتي في الآونة الأخيرة، مصدر رزق لآلاف من المواطنين الصومالين، وواحدة من أهم مداخيل العملة الصعبة للبلاد. وحسب آخر التقديرات الصادرة من الأمم المتحدة، فإن ايرادات الفحم تمثل 20 % من صادرات الصومال.

لكن ثمن ذلك كان باهظا، وتسبب الي كارثة انسانية حقيقة لن تقتصر تأثيرها على الأجيال الحاضرة بل تمتد الي اجيال المستقبل.

بعد أن كانت موجات الجفاف تضرب البلاد بشكل متباعد( بعد كل عشر سنوات تقريبا) وفق بعض تقارير الباحثين في مجال البيئة، صارت في الأعوام الأخيرة شبه متواصلة متخذه طابع الاستمرار، ما أدى الي مقتل آلاف من المواطنين معظمهم من الاطفال والنساء، ونزوح المئات نهاهيك عما تسببت من اضرار كبيرة على الانتاج الغذائي للبلاد. فقد كشفت دراسة نشرتها، منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ووحدة تحليل التغذية والأمن الغذائي للصومال العام الماضي عن أن المجاعة التي ضربت الصومال عام ٢٠١١ وحدها أسفرت عن عدد من الضحايا غير مسبوق في تاريخ الصومال. وأظهرت الدراسة أن المجاعة وانعدام الأمن الغذائي الحاد أودى بحياة حوالي٢٥٨,٠٠٠ شخص بين أكتوبر ٢٠١٠ وابريل ٢٠١٢، بما فيهم ١٣٣,٠٠٠ من الأطفال دون سن الخامسة. والأنكي من ذلك أن شبح هذا الجوع ما زال يخيم علينا، كتهديد ماثل، حسب آخر تحذير لبعض المنظمات الدولية، نشر مطلع شهر مايو الجاري، حيث ذكرت الأمم المتحدة ، إن قلة الأمطار، وارتفاع أسعار المواد الغذائية والصراع الدائر تجعل الصومال مرة أخرى على شفير المجاعة.

فقد أرجع خبراء البيئة تكرار أزمة المجاعة في الصومال الي عاملين رئيسين، هما: العامل الجغرافي ومناخه الصحراوي، والعامل البشري الذي تسبب في إزالة الغابات والنباتات الطبيعية في البلاد، محذرين مما هو أسوأ، ما لم يوجد مشروع وطني عاجل لحماية البئية ورفع مستوى الوعي البيئي لدى السكان. وتلك مسؤولية تشترك فيه الحكومة الي جانب المنظمات الأهلية ورجال القطاع الخاص.

فالعامل البشري، هو الذي لعب دورا كبيرا في تحويل الصومال ولاسيما الأجزاء الجنوبية منه (شبيلي السفلى، وشبيلي الوسطي، وباي، وبكول، وجوبا السفلى، وجوبا الوسطى) التي تعتبر شريان الحياة للصومالين والسلة الغذائية لمنطقة القرن الأفريقي الي منطقة قاحلة جرداء، يرتبط اسمها بالمجاعة والقحط وذلك بعد تدمير مايقارب ثلثي الغابات والنباتات الطبيعية في تلك المناطق بآلات متطورة لا تبقي ولا تذر، بل بلغ الأمر في السنوات الأخيرة الي حد قطع اشجار الفاكهة، كشجرة المانجو لصناعة الموبيليا والأثات المنزلية.

فقد أدي ازالة الغابات في الاقاليم الجنونية للبلاد الي تدهور بيئة تلك المناطق وتوجهها نحو الجفاف والاضرار بامكانية التقدم في المستقبل نحو التنمية المستدامة؛ لأن الاشجار تلعب دورا مناسبا ومهما في حفظ التوازن الايكولوجي وصيانة التربة ومقاومة عوامل تصحرها، وتنقية الجو من ثاني أكسيد الكربون (CO2) وتخزنه على شكل كاربوهايدرات، وتهيئة الاجواء لايجاد الموارد الضرورة للتنمية.

من هنا لا بد من الإشارة الي الجاحة الملحة لإطلاق مبادرة وطنية لمواجه ممارسة قطع الاشجار غير القانونية، تنطلق من فكرة توعية المواطنين ولا سيما رجال القطاع الخاص عن أهمية المحافظة على البئية، وتنبيههم على الأخطار الجسيمة المترتبة من الاعتداءات الصارحة على الثروة الشجرية للبلاد، وبالاضافة الي حث الجهات الرسمية المعنية بالثروات الوطنية الي الاهتمام بهذه الموضوع، ليس من خلال اصدار قرارات وقوانيين فقط، بل عبر تفعيل الاتفاقيات الدولية لحماية البيئة، والمساهة في الأنشطة والمبادرات البيئية التي تؤدي الي رفع مستوى الوعي البيئي لدى السكان.

 

 

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى