التحديات التي تواجه الهوية الصومالية

لقد تصدع البناء الاجتماعي للمجتمع الصومالي بعد عام 1991م وما تلاه من الحرب الأهلية ما أدى الى تمزق النسيج الاجتماعي للمجتمع الصومالي فاصبح هذا النسيج مهلهلاً من السهولة بالامكان اختراقه ، وهذا ما سهل على المجموعات التعصبية او التطرفية سواء التطرف القبلي اوالديني او الاقليمي ان تعيث في الأرض فساداً وقتلاً وتهجيراً.

وعندما يتصدع البناء الاجتماعي في أي مجتمع يتسبب هذا التصدع في ضعف قدرة المؤسسات الاجتماعية لأداء دورها في حفظ هوية وثقافة المجتمع، والهوية الثقافية تعني خصوصيات المجتمع من أرضه وما فيها من الخيرات، وتتضمن الهوية الثقافية المعايير والقيم وتشكيل معرفة الإنسان وثقافته با لمجالات المختلفة ووعيه بقضا يا المجتمع وهي تمثل التراث الفكري، وبمعني ءاخرهي مجموعة من السمات والخصائص المشتركة التي تميز أمة أومجتمع أو وطن معين عن غيره يعتز بها وتشكل جوهر وجوده وشخصيته المتميزة. 

 ومما يهدد هوية الأمة الصومالية:


١- تغريب الثقافة الصومالية: من خلال إستخدام آليات متعددة من انواع الإعلام والتكنولوجية الحديثة وبالفعل تأثرت كثيرمن الأجيال الأمة اللصومالية عموما وبصفة خاصة الأجيال التي عاشت وترعرعت بمدارس الغرب، وتعد قضية تربية الأولاد من أكبر المشكلات التي تواجه الأسرة الصومالية في الغرب بل وأكثرها قلقا ، في ظل تعرضهم لمغريات غير عادية في الشارع والمدرسة وعبر وسائل الإعلام، حتى بات كل شيء حولهم يعمل على سلخهم من ثقافتهم وهويتهم الإسلامية ويهدد بذوبانهم في ثقافة المجتمع الذي تعيش فيه حتي وصل الأمر ان نري قي وسائل الإعلام بنات من الصومال يعترفن بخروجهن أوردتهن عن دين الإسلام وبدأت بعض التقارير من المنظمات الغربية تشيرأن المجتمع الصومالي ليس مسلما مئة في المئة.

٢- النظام الفدرالي القبلي الذي تشير مؤشراته الي تقسيم ما تبقي من الأراضي الصومالية إلي انظمة قبلية بإسم الفدرالية وهذا هو العامل الثاني الذي يشكل تهديدا للهوية الأمة الصومالية، كما حدث في الستينات حين نحج الاستعمار في تقسيم البلاد إلي خمسة أجزاء. وها نحن نري اليوم كل منطقة لها رئيسها وعلمها الخاص تحت مبرر بتطبيق النظام الفدرالي. نعم هناك كثير من الدول التي تطبق النظام الفدرالي بقواعد وأسس متفقة عليها أما مايجري في الصومال هو تقسيم البلاد علي أسس قبلية بإسم  النظام الفدرالي.

والهدف من هذه القضية هو تقسيم الأراضي الصومالية مرة أخري ليس الا – كما أشرنا – إلي دويلات مستقلة ومتصارعة في نفس  الوقت، وهذا ما تراهن عليه المخططات الخارجية من أجل إنهاء وجود هذه الأمة الواحدة وكيانها الحقيقي في شرق افريقيا.

ومن الجدير بالذكر أن هناك فرقين بين التهديدات القديمة والجديدة لهوية الأمة الصومالية وهما:
الأول: وجود علماء  وقيادة راشدة تقد م مصلحة الوطن علي المصالح الفئوية مطلعين على الدين الإسلامي بشكل عميق في القديم من جهة، ومطلعين على ثقافة الخصوم بشكل تفصيلي من جهة ثانية، وهو ما لاحظنا مثالاً دقيقاً عليه في أحمد جري  وسيد محمد  عبد الله حسن  ومؤسسي SYL وغيرهم  من النضالين الذين تصدو لأكبر هجوم على هوية الأمة قاوموا الإستعمار بشتى السبل، ورأينا أن العاملين اللذين ساعداهم على النجاح في مواجهة تلك التهديدات هما، فهمهم العميق لمكائد الإستعمار من جهة ووعيهم الرفيع بالإسلام  من جهة ثانية.

وهذا هو ما نفتقده في المرحلة الحاضرة، فتجد أن كثيرا من العلماء لديهم اطلاع على الثقافة الإسلامية، وليس لديهم اطلاع على الثقافة الغربية، وقليل من العلماء المعاصرين هم من توفر فيهم الاطلاع على الثقافتين الإسلامية والغربية.

الثاني: وجود تدخل دول وهيئات خارجية في توجيه التغريب وتشجيعه ومتابعة شؤونه وقيام دعم خارجي له بالمال والإعلام والسلاح إن اقتضى الأمر، ومن جهة ثانية المقاومة الوطنية  والقيادة الراشدة والحراكة الشعبية التي تفهم اجندات هذة الهيئات وترفض وتقاوم وتسعي لإ فشالها، وتقوم بتوعية المجتمع وهذا ما نفقده أيضا.

هذا التدخل الأجنبي الخارجي يزيد في خطر تقسيم الأمة ، فليس الأمر مقصورا على صراع بين قبيلتين من أبناء الأمة أوبين الحكومة والمعارضة على أمور فكرية وثقافية واجتماعية وسياسيةأومصالح معينة… إلخ. وقد ارتفعت وتيرة التدخل الخارجي بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول بشكل صريح وعلني فزادت الهجمات التي تنفذ الطائرات الغربية علي أراضي الصومال وتبرر إستهداف القواعد العسكرية التا بعة للتنظيم القا عدة (حركة الشباب)، فأصبح هناك إملاءات علي السيا سيين ووضع خارطة طريق وتنفيد اجندات خارجية وزيادة تدخل القوات الأجنبية علي الأراضي الصومالية دون توضيح جدول زمني لمدة بقائهن في البلاد وتهميش بناء وكفاءت القوات الصومالية لأداء واجبها، وعدم التعامل مع جواز السفر الصومالي بشكل كامل  ومعاملة الصوماليين في الخارج بطريقة عنصرية كما هو واضح مايجري في كينيا وجنوب أفريقيا… وكل هذه الأشياء وغيرها تدل أن هوية المجتمع في خطر، وقيل قديما (قيمة المواطن في العالم تساوي قيمة وطنه بين البلدان).                                .

وهناك لجان تشكلت بقصد أن تراقب المجال الثقافي وتعاقب من يثير أي كلام تجاه اليهود  والغرب فهناك طلبات بإلغاء مناهج دينية معينة، وحذف آيات وموضوعات معينة…، وهناك لجان إعلامية لمراقبة ومعاقبة من يثير مشاعر الكراهية تجاه الآخرين بالمعنى الغربي، وهناك لجان تسعى إلى نشر الإباحية والمثلية بدعوى حرية المرأة وتحقيق الحرية الجنسية للفرد. وحقوق الإنسان.. إلخ.

وهناك برامج لتوسيع دائرة اللغة الإنجليزية مع التراجع الواسع للغة الصوماليةإ ستخدامها في الدوائر الرسمية لدي الحكومة الصومالية كما أن هناك أقصي اللغة العربية في الدوائر الحكومية. وتقليل شا نها في كل المجالات وإستخدام الدولار الإمريكي عملة للبلاد وإهمال الشلن الصومالي. إلخ.

ومما يزيد من خطورة الوضع أن من لا يلتزم بهذه القرارات ستلحقه العقوبات عن طريق المؤسسات الدولية، كالبنك الدولي، أو الهيئات التابعة للأمم المتحدة، أو الدول الكبرى. وهناك جهات خفية ومجهولة التي تقوم بقتل وتصفية أعيان المجتمع.. إلخ.

عرضنا -باختصار- لما يهدد هوية أمتنا في المرحلة الحاضرة، وليس من شك بأن تلك الأخطار كبيرة وتشكل تهديداً حقيقياً لهوية أمتنا، ويأتي على رأسها -كما ذكرنا- خطر التغريب والتقسيم

ومما يزيد في وتيرة هذين الخطرين التدخل الخارجي السافر في كل شؤون حياتنا الثقافية والاجتماعية والتربوية… إلخ. ويقتضي هذا الوضع من أصحاب الفكر والرأي والعلماء الغيورين على هذه الأمة ووطنا الحبيب أن يتصدوا لهذه الأخطار بكل إمكاناتهم، وينبهوا الأمة عليها دون فوات الأوان وقبل أن نقول(أكلت يوم أكل الثور الأبيض).   

 إن الهوية  الصومالية التي ندعو إلى الحفاظ عليها وتقويتها ترتكز على الأسس الدينية والعقيدية والوطنية، ولا نقيم وزنا لما هو موروث من العادات والتقاليد إن أصبح عائقا أمام التقدم الحضاري للأمة، ولتحديد الموروث الصالح لابد من مراجعة شاملة للكثير من المسلمات لأن أزمنة التخلف التاريخية أضافت الكثير باسم الدين. وعلينا تشجيع النخب الفكرية والثقافية المتحررة من سعي الي توعية المجتمع وحاربة التعصب والتطرف، ورفض الآخر. هذه النخب الداعية إلى فهم ووعي ثقافي يفرق بين الدين والتقاليد، يفرق بين ما هو بشري وبين ما هو إلهي، ونحن من خلال تركيز أسس وثوابت الدين يمكن أن نستفيد من العولمة وأن نجعل هذه لحظة انبعاث حضاري شامل. أما الانغلاق والانعزال والدعوة إلى ثقافة الفرقة والتشتت والتركيز على الفوارق ونسيان المشتركات، هذا الأمر لا محل له في الإعراب، بل هو عائق أمام التقدم الحضاري وإعادة توحيد الامة الصومالية. 

 

 

أ.حسن محمد علي

كاتب وباحث في علم الإجتماع
زر الذهاب إلى الأعلى