إقالة الرئيس لا تحل المشكلة

madaxweynaha somaliya

يوم الثلثاء الماضي 6 ابريل، أصدر أكثر من 100 عضو من البرلمان الصومالي بيانا طالبوا فيه الرئيس حسن شيخ محمود بالاستقالة. وبرر النواب قرارهم بسبب فشل الرئيس في إدارة البلاد، واخفاقه في تحقيق وعوده التي قطعها على نفسه ليلة انتخابه رئيسا للبلاد، ومن بينها، اعادة الأمن والاستقرار، وانجاز القوانين الضرورية لإنهاء المرحلة الانتقالية، ولاسيما القوانين المنظمة لإنتخابات عام ٢٠١٦ التي يرون النواب استحالة اجرائها خلال المدة المتبقية من فترة حكم الرئيس حسن شيخ. اضافة الي فشله في اعادة بناء مؤسسات الدولة المهمة في ارساء قواعد دولة القانون، كالمؤسسات القضائية والمالية. 

فهذه الادعاءات ربما تكون صحيحة في نظر كثير من المراقبين بالشان الصومالي، بل جهات مقربة من الرئيس تقرّ ذلك، لكن من يقرأ البيان بتأن وبشكل حيادي محاولا التعرف على الجهات أو التيارات  الداعمة له والأسباب التي دعتهم الي اصدار هذا البيان وبالذات في هذا التوقيت، يتأكد ان دعوة الاستقالة، ماهي الا ردود فعل تجاه تصرفات اطراف متنفذة داخل الدولة، وأن ملابسات اصدارها في هذا التوقيت الحساس، ينم عن “مراهقة سياسية”، لا تلتزم الحد الأدنى من الضوابط التي تفرضها مقتضيات الحالة السياسية في البلاد الشائكة؛ لأن عزل الرئيس من الناحية القانونية ليس بالأمر الهين  أو السهل فأنه  يزيد الأزمة تعقيدا ويجر البلاد الي صراع سياسي لا يحمد عقباه.

كما أن اقالة الرئيس، بحسب الدستور المؤقت تتطلب الي عدد من الخطوات يصعب اتخاذها في ظل المعطيات السياسية الراهنة، أبرزها، ايجاد مشروع اقتراح لسحب الثقة من الرئيس يتقدم به ثلث اعضاء البرلمان، ومن ثم تنظر المحكمة العليا على صحة الاتهامات التي وجهت للرئيس واستندت على طلب اقالته. فاذا قررت المحكمة بالايجاب يعود الأمر مرة ثانية الي البرلمان ويعرض المشروع للتصويت ويجب أن يحصل على موافقة ثلثي اعضاء البرلمان المكون من ١٧٢ عضو. ومن يعرف تركيبة البرلمان الحالي و دور المال والعصبية القبلية في صياغية السياسة الصومالية، لا يمكن أن ينكر في اي حال من الاحوال أن تلك الاجراءات صعبة وغير ممكنة، وبالتالي اذا قرر المطالبون باقالة الرئيس المضي على مشروعهم، فانهم في نهاية المطاف سيخسرون ولن يستطيعوا على اقالته الا اذا حدثت مفاجئات من العيار الثقيل .

والجدير بالذكر أن الجهات التي تقف خلف دعوة الاقالة، لا تقدر الاستمرار على المشروع، لأنها تشمل تيارات مختلفة المشارب والاتجاهات وشخصيات من زعماء الحرب السابقين واصحاب مصالح شخصية، لا تجمعهم سوى معارضة الرئيس واثارة أزمة سياسية الغرض منها، توجيه رسالة واضحة الي الرئيس والشخصيات الداعمة له مفاذها، انهم قوة مؤثرة لا يمكن الاستغناء عنها، وأنهم قادرون على  زعزعة عرش الرئيس وقلب الطاولة عليه. ومن تبابع المؤتمر الصحفي الذي عقده النواب المطالبون باقالة الرئيس في فندق صحفي بمقديشو، لا شك أنه رأى أن أبرز الوجوه في المؤتمر، كانوا عناصر من التيار الاسلامي الذي يشكو من التهميش والاقصاء، وزعماء قبليين يريدون ابداء امتعاضهم من حركة التغيرات الأخيرة في رؤساء مناطق مقديشو. 

ومن المفارقات العجيبة كان من بين النواب المطالبة بسحب الثقة عن الرئيس، شخصيات محسوبة على تيار الرئيس حسن شيخ نفسه التي كانت قبل عام ونصف ضمن ممن تحمسوا لاختياره رئيسا للبلاد، لكن – فيما يبدو- فالصراع الداخلي  بين الصقور والحمائم أدى الي استبعادها من المشهد السياسي، وهو الأمر الذي دفعها الي مشاركة أو مباركة، مثل هذه الخطوة التي تكاد تنسف العملية السياسية الصومالية برمتها وتعيد الأمور الي المربع الأول.

لا احد يستطيع ان ينكر حالة الغليان السياسي في البلاد وتزايد نسبة الصومالين غير الراضين عن اداء الرئيس والحكومة وخاصة فيما يتعلق بالمجال الأمني، بيد ان الاستقالة او الاقالة في هذه المرحلة لا تحل المشكلة، بل تدخل البلاد الي نفق مظلم وتعزز رؤية بعض الاطراف في المجتمع الدولي التي تدعو الي  دعم الادارت الاقليمة وتفكيك وحدة الصومال. وكان ينبغي للنواب المعارضين لسياسات الرئيس، قبل دعوتهم للاستقالة، التقدم بمشروع آخر يمكن من شأنه اصلاح الخلل داخل النظام أو طرح رؤية بديلة تنقذ البلاد من الوضع الراهن، لكن أن تطالب هكذا بدون مقدمات ودون الحديث عما بعد الاستقالة أو ماذا يكون الأمر لو فشل مقترح اقالة الرئيس قرار يمكن وصفه بـ”المتسرع” وإذا كان يوحي بشيء، فإنه يوحي بعدم “النضج السياسي” . الم يكن من الحكمة ان يتدرج النواب المعارضون للرئيس في قراراتهم كي يفهم الشعب والعالم حقيقة المشكلة وأن اصلاح النظام من الداخل ضرب من المستحيلات.

  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى