المخطوطات الصومالية في خطر

مشكلة المخطوطات الصومالية موضوع خطير لم يتبه به كثير من المسؤولين في الحكومة ومنظمات المجتمع المدني. فهذا التراث العظيم الذي يعد من أهم مكونات الحضارة الصومالية، يواجه اليوم مشكلة خطيرة تستوجب على المسؤولين والغيورين على التراث الصومالي وما تبقى من آثاره القيام بما يمكن القيام به من أجل الحفاظ على المخطوطات الناذرة التي لاتزال في أيدي المواطنيين في المدن والأرياف والنجوع.

المخطوطات في المزاد العلني 

في السنوات الأخيرة ظهر في البلاد أفراد وشركات صومالية وأجنبية شمرت السواعد لجمع هذه المخطوطات من المواطنين ومن ثم بيعها في الخارج بثمن بخس، ودون مراعاة للقوانيين الدولية التي تحرم الاتجار غير المشروع في الممتلكات الثقافية. وقد أبرمت عدة معاهدات متعددة الأطراف من أجل مكافحة ظاهرة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية بشكل أكثر فعالية، ومنها:

١- اتفاقية لاهاي لحماية التراث الثقافي في حال نزاع مسلح (1954) (بالانجليزية) وبروتوكولاها(1954 – بالانجليزية – و1999)

٢- اتفاقية اليونسكو بشأن التدابير الواجب اتخاذها لحظر و منع استيراد و تصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة (1970)

٣- اتفاقية المعهد الدولي لتوحيد القانون الخاص (يونيدروا) بشأن الممتلكات الثقافية المسروقة أو المصدرة بطرق غير مشروعة (1995) (بالانجليزية)

٤- اتفاقية حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه (2001)

٥- اتفاقية حماية التراث الثقافي غير المادي (2003)

٦- اتفاقية حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي (2005)

نداء استغاثة

الحاج عبدلو شيخ عبدي الذي يعيش في مدينة مركا واحد من الشخصيات الصومالية التي اطلقت نداء استغاثة عاجلة الي من يهمه الأمر دعيا الي مواجهة الخطر الذي يحدق بهذا المكون المهم من تراث الوطن. وأكد الحاج عبدلو أن ما تبقي من التراث الصومالي يواجه اليوم علميات نهب وسرقة منظمة من قبل رجال أعمال جدد همهم الأكبر الاتجار بقطع الآثار والوثائق. وقال إن هؤلاء يطوفون ليل نهار في المدن والارياف وحتى المناطق البعيدة في بادية اقليم شبيلي السفلى بحثا عن نسخ الكتب الناذرة التي لا تزال في أيدي مواطنين لا يعرفون قيمة تلك المخطوطات الناذرة وأهميتها في التاريخ العلمي والثقافي للبلاد. 

 كان الطالب الصومالي في حلقات العلم، قبل أقل من عام، يعتمد على دراسة العلوم الدينية والعربية بتلك المخطوطات وذلك بسبب شح الكتب المطبوعة المستوردة من الدول العربية ولاسيما اليمن والسعودية. وكان في البلاد رجال ماهرون بمختلف أنواع الخط العربي وبارعون في اعادة كتابة الكتب المطبوعة بخط يدهم وهو ما يعرف بفرجري (FARGURI). وحي “بال غري” في مدينة افجوي التي تقع على بعد ٣٠ كم جنوب العاصمة مقديشو، كان أحد تلك المناطق المشهورة بهذا العمل، وعرف أهل هذا الحي بصناعة المخطوطات وأدواتها العلمية من خط ونسخ، وزخرفة وتجليد. وقد رأي هذا كاتب هذا المقال نسخة من  المصحف الشريف كتبها أحد الرجال المنتمين الي هذا الحي والمعروفين بهذا الفن. 

في الحقيقة هؤلاء الرجال بذلو جهذا كبيرا في سبيل االحضارة الوطنية، وتركوا للأمة تراثا لا يقدر بثمن ، ولكن للأسف نخسره  اليوم بسبب قلة الوعي الثقافي أو تهوين الموقف. ما من كتاب من الكتب الدينية العلمية التي كانت تدرس في تلك الحقبة الا وأعاد هؤلاء كتابتها من جديد بخط أيدهم على أوراق البردي أو الرقوق أو الورق أو جلد الحيوانات. فقد نسخوا العديد من الكتب الدينية، من بينها، متن كتاب التنبيه ” للشيرازي المتوفي سنة (467هـ) رحمه الله تعالى، وكتاب الارشاد لشرف الدين المقرئ المتوفي سنة (837هـ) رحمه الله تعالى. وكتبا أخرى من علوم اللغة العربية والأدب، مثل كتاب لامية الأفعال لإمام العلامة اللغوي النحوي جمال الدين محمد بن عبد الله بن مالك الطائيّ الـجَـيَّانِيّ الأندلسيّ رحمه الله تعالى، وكتاب البردة وكتاب مولود النبوي الشريف. 

وفي هذا الخصوص يجدر الاشارة الي تغريدة  عجيبة للدكتور طارق الحبييب الطبييب النفسي السعودي الذي كتب على صفحته في التويتر بأن أبوه قرأ مخطوطة تعود لـ١٥٠ عام  لعلماء الصومال بجواز دفع زكاة الصوماليين لفقراء الجزيرة العربية. ما أروع هذه المخطوطة وما أنفسها، وأهلها غافلون عنها.

فهذا الندء العاجل موجه الي جميع المثقفين الصوماليين داخل البلاد وخارجه للاسراع الي انقاذ هذا التراث العظيم قبل فوات الأوان من بعض التاجر الصوماليين الذي باعوا من قبل كل ماهو نفيس في البلاد. فبدأوا من تدمير تماثيل رموز الوطن وشخصياته النضالية واليوم يسعون بخطى حثيثة الي تدمير ما تبقى من الحضارة الصومالية التي تحدث عنها ابن بطوطة قبل ما يقارب ٧٠ قرنا. حيث كانت مقديشو آنذاك في ذروة الازدهار. ووصفها ابن بطوطة بـ “المدينة الكبيرة بإفراط” المليئة بالتجار الأغنياء، والمعروفة بالسلع ذات الجودة العالية التي تصدّر إلى دول أخرى بما فيها مصر. 

جهود فردية مشكورة

لا أتردد بالقول أن هناك شخصيات صومالية غيورة قد بدأت سلفا بالاهتمام بهذا الموضوع وقامت بجهود شخصية لا يستهان بها من جمع وصيانة الكتب المخطوطة -ولكن تلك الجهود الفرية وحدها لا تكفي- وأخص هنا بالذكر الكاتب والباحث في التارخ الصومالي، الدكتور محمد حسين معلم الذي أبدى اهتمامه بالموضوع وأكدا في أكثر من مناسبة على اقتنائه مخطوطات ناذرة .

وقال الدكتور في مقابلة مع أحد المواقع الاخبارية الصومالية: ” لديّ بعض المخطوطات ولكن من الصعب أن أقول إنها نادرة أو لها القيمة العلمية المتعارف عليها، وتقييم المخطوطة يختلف من شخص لآخر، وكل ما لدي من الكتب مخطوطه ومطبوعه مهمة جدا بنسبة لي، وإلا ما اقتنيتُها”. وأشار الدكتور أيضا الي ضرورة تكاتف الجهود لانقاذ المخطوطات الصومالية وذلك من خلال” فهرسة المخطوطات المتناثرة على طول البلاد وعرضها والتي يمتلكها أشخاص معينون على غرار فهرسة بعض المخطوطات في نيجيريا ومالي واليمن  بالتعاون مع مؤسسة الفرقان للتراث الاسلامي التي أسسها معالي أحمد زكي يماني رحمه الله، مع اعطاء الناس معلومات عن قيمة ما يمتلكون به والحرص عليها وعدم ضياعها”.

دور الحكومة الغائب

من هنا يجب الاشارة الي دور الحكومة الصومالية التي تقع على عاتقها المسؤولية العظمى في حفظ المخطوطات الصومالية ومنعها من الوقوع في أيدي الأعداء والعابثين عليها. في عهد حكومة سياد بري- (عام ١٩٦٩-١٩٩٢) كان التراث الصومالي في مأمن، وكان يتمتع بعناية خاصة من الدولة؛ لأن الحكومة كانت تعطي أولوية قصوى على حفظ وصناية كل ماله علاقة بالحضارة والتراث القديم للأمة حيث وفرت على سبيل الميثال للمخطوطات والوثائق النادرة جناحا خاصا من أكاديمية الفن التي كان مقرها في مجمع (FIYOORAHA) سابقا والقريب من القصر الرئاسي في مقديشو. 

وبالتالي على حكومة عبدالولي شيخ أحمد الانتباه لخطورة هذا الموضوع  والعمل من أجل انقاذ هذا الكنر العظيم الذي يتعرض للنهب والسرقة ويجب عليها تعين إدارة خاصة معنية بهذا الملف تتولى القيام بما يلي:

١-حفظ التراث الوطني بما فيه المخطوطات و الكتب النادرة

٢- حصر المخطوطات الموجودة عبر التراب الوطني

٣- إظهار القيمة العلمية و الحضارية للمخطوطات.

٤- استقبال الباحثين من داخل و خارج الوطن من مؤرخين و علماء الدين الذين

٥- تصوير المخطوطات وفهرستها.

ويمكن للحكومة الاستعانة  في هذا الأمر بالجهات الدولية والاقليمة المهتمة بحماية التراث العالمي، كمعهد المخطوطات العربية التابع للألكسو ومقره القاهرة الذي يعد واحدا من أهمِّ المراكز المعنيَّة بالمخطوطات في الوطن العربي  جمعًا، وإتاحة، وصيانة، وترميمًا، وفهرسة.

 

 

 

 

 

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى