هل بدأ العالم يتخلى عن الرئيس حسن شيخ؟

شهد الصومال نهاية عام 2012م تحولات سياسية مهمة، وتغيرات إستراتيحية، تمثلت بإنتهاء المرحلة الإنتقالية، وتكوين برلمان فدرالي جديد، وإنتخاب حسن شيخ محمود رئيسا للبلاد، بالإضافة الي إنسحاب حركة الشباب المتمردة من مناطق إستراتيجية في وسط وحنوب البلاد من بينها العاصمة مقديشو، ومدينة مركا القربية من العاصمة ومرفأ كسمايو الذي كان يعتبر من أهم مصادر التمويل لحركة الشباب في حربها ضد الحكومة، وقوات حفظ السلام الإفريقية في الصومال.

حظيت تلك التحولات بترحيب وقبول غير مسبوقين من قبل المجتمع الدولي ولاسيما من الغرب الذي غيّر موقفه تجاه الصومال، وأعلن عن فتح صحفة جديدة مع النظام الجديد، ومساعدته في إيجاد حل نهائي للصراع المزمن الذي بدأ ينتقل عدواه الي دول المنطقة. وكانت بريطانيا من أهم الدول التي دخلت الخط، وقادت  هذا التحرك الجديد حيث قامت بتحريك الملف الصومالي واعادته الي الواجهة في وقت كان العالم منشغلا بتداعيات ثورات ماسمي بالربيع العربي .

 فقد نظمت بريطانيا خلال عامين مؤتمرين دوليين حول مساعدة الصومال، كان الأول في شهر فبراير من عام ٢٠١٢، والثاني في السابع من شهر مايو من العام الماضي حيث وعد المشاركون في المؤتمر الثاني أكثر من 90 مليون دولار لإعادة بناء مؤسستي الأمن والعدالة. وعقدت أيضا مؤتمرات كثيرة مماثلة لدعم الصومال أهمها الذي عقد في العاصمة البلجيكية بروكسل في الشهر التاسع من العام المنصرم، لكن للأسف الشديد لم يحصل الصوماليون من تلك الوعود “مليما وحدا” واكدّ الرئيس حسن شيخ محمود في خطابه الأخير بيوم الجيش أن حكومته لم تحصل منذ تشكليها الي اليوم على دعم يذكر من قبل الدول المناحة. وهذا الأمر مؤشر قوي على نية المجتمع الدولي ولا سيما الدول الغربية التخلى عن النظام في الصومال.

كما قامت بريطانيا باستصدار قرارات من مجلس الأمن حول الصومال من أبرزها، رفع جزئي عن حظر الأسلحة المفروض على الصومال منذ أكثر من ٢٠ عاما وتعين الدبلوماسي البريطاني المخضرم ، نيكولاس كي ممثلا خاصا للأمين العام للامم المتحدة في الصومال بالاضافة الي موافقة مجلس الأمن على إرسال بعثة أممية الي الصومال تتألف من 200 خبيرا مكلفين بتقديم المشورة للحكومة وقوات الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام بشأن السلام، وبناء قدرات المؤسسات الحكومية في مجال حقوق الإنسان وسيادة القانون، ومنع انتهاكات حقوق الإنسان. غير أن هذا القرار هو أيضا لم يتم تنفيذه حتى الآن بالشكل المطلوب بعد تعرض المقر الرئيسي للامم المتحدة في مقديشو لهجوم انتحاري- اعلنته حركة الشباب الصومالية عن مسؤوليته- أدي الي مقتل عدد من موظفي الأمم المتحدة في الصومال.  

فالمؤشرات الدالة على نية المجتمع الدولي التخلي عن النظام الحالي لا تقتصر على النكوص عن تعهداته السابقة وانما هناك دلائل قوية أخرى تشير الي حصول فتور في العلاقات بين النظام والمجتمع الدولي. في مطلع هذا العام، أدلى مسؤولون كبار من الولايات المتحدة الأمريكية بتصريحات تتهم الرئيس حسن شيخ بالعجز وعدم القدرة على ادارة البلاد ومن بين هؤلاء المسؤولين شخصية رفيع المستوى من وكالة الاستخبارات الأمريكية. كما أصدرت عدة منظمات دولية ووسائل اعلام غربية تقارير عن ضعف أداء الحكومة وفشلها بخصوص ما يتعلق بشأن ادارة المعونات العسكرية وسجل حقوق المرأة. 

تلك التقارير كانت بالفعل صادمة، واحدثت حالة من الإرباك في المشهد السياسي الصومالي حيث اعادت الي الواجهة الجدل المثار حول دور تلك المنظمات في الشأن الصومالي والدافع الحقيقية وراء تقاريرها، وهل هي تقارير مهنية تكشف للرأي العام العالمي والمحلي عن الحقائق الغامضة أم أنها تقارير سياسية تعكس أجندات بعض الدول الكبرى التي تريد اضعاف الرئيس حسن شيخ محمود تمهيدا لإسقاطه. 

ومن بين تلك التقارير الدولية، تقرير مجموعة مراقبة الصومال واريتريا الذي اتهم افراد كبار في الحكومة بالتواطؤ مع حركة الشباب وتزويد عناصرها بالاسلحة التي حصلت عليها الحكومة من المجتمع الدولي، وتقارير نشرته بعض الوسائل الغربية تتهم عناصر مقربة من الرئيس بالفساد الاداري والمالي ما دعى لبعض الدول  الغربية الي اعادة النظر في دعمها لميزانية الحكومة الصومالية.

اشار التقرير السري الذي أعده مراقبون من الأمم المتحدة إلى “مخالفات منهجية” من جانب حكومة الصومال فيما يتعلق بتوزيع أسلحة اشترتها السلطات بعد أن خفف مجلس الأمن التابع للامم المتحدة حظرا على السلاح العام الماضي.

وقالت مجموعة مراقبة الصومال وإريتريا التابعة للأمم المتحدة في تقريرها الذي يقع في 14 صفحة في تقريرهم إن هذه المخالفات جعلت بعض الأسلحة تصل إلى قيادي في حركة الشباب الإسلامية المتشددة المرتبطة بتنظيم القاعدة وأوصت بالعودة إلى فرض حظر تام على السلاح أو على الأقل تشديد الشروط المتعلقة بعملية الإخطار والإبلاغ عن تسليم الأسلحة.

وفيما يتعلق بتقارير الفساد المالي. قالت مصادر غربية إن استقالة يسرا ابرار، محافظة البنك المركزي  الصومالي السابق كانت القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لثقة الجتمع الدولي على إدارة الرئيس حسن شيخ محمود حيث تسببت الي اصابة الدبلوماسين الغربيين والمسؤولين في الأمم المتحدة بالصدمة بعدما وضعوا ثقة كبيرة في الرئيس لاعادة الاستقرار إلى الصومال. ووصف نيكولاس كاي ممثل الأمم المتحدة الخاص بالصومال استقالة يسر أمام مجلس الأمن الدولي بأنها “ضربة قاصمة” لثقة المانحين مضيفا أنها أكدت ضرورة اختيار إدارة اقوى للحفاظ على المال العام في البلاد.

والأنكى من ذلك الذي عقد الأمور وادي الي تراجع دعم المجتمع الدولي للصومال كان الرد الرسمي بخصوص التقارير الدولية عن الفساد المالي في الحكومة. فقد كان ردا باهتا لا يرقى الي مستوى حجم الاتهمات الموجه الي رئيس الدولة حسن شيخ محمود وبعض مساعديه. فقد اكتفى ما برد ماحصل برسالة قصيرة ومقتضبة لاتشفي غليل المشككين أصلا في نوايا المنظمات الدولية ناهيك عن القطاع العريض المعارض لسياسات الحكومة الذي وجد في تلك التقارير ضالته، وبات أكثر جرأة من أي وقت مضى في  توجيه إنتقادات لاذعة للحكومة. فقد كان ينبغي أن تولي الحكومة اهتماما كبيرا لمثل تلك القضايا التي تثير البلبلة في الجبهة الداخلية وتضعف مواقف الصومال في المحاول الدولية.

فخلاصة القول: كل تلك التقارير وما يرافقها من مماطلة المجتمع الدولي في تنفيذ تعهداته المالية تجاه الصومال لاتعد- وفقا لقاموس السياسية الدولية- سوى رفع “الكارت الأصفر” على وجه النظام الحالي في البلاد، وبالتالي على الرئيس والحكومة اتخاذ اجراءات شجاعة قبل فوات الأوان خصوصا فيما يتعلق بمحاربة الفساد بكل اشكاله وأنواعه كي تعود الأمور الي نصابها ويعود دفء العلاقات بين الصومال والدول المانحة، والا البديل هو رحيل النظام وربما قبل عام ٢٠١٦.  

 

 

 

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى