زيارة رئيس الوزارء الإثيوبي لإقليم الصومال (المدلولات والمآلات)

شهدت عاصمة الإقليم الصومالي “جكجكا”أول أمس السبت 7/4/2018م حفلة عرس سياسية فاقت التوقعات في كلّ حيثياتها، وذلك بزيارة رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد مع وفد فدرالي رفيع المستوى إلى الإقليم. حيث ينبغي علينا الوقوف عند دلالات التوقيت والظرف التي تأتي فيه الزيارة، وتشكيلة الوفد المرافق لرئيس الوزراء والحفاوة البالغة التي استقبل بها إلى الإقليم حكومة وشعبا، ومضامين كلمة رئيس الوزراء التي عرض فيها الهدف من زيارته وما رافقها من رمزيّات سياسيّة، وأخيرا دور هذه الزيارة في رسم الطبيعة الجديدة للعلاقة مستقبلا بين الحكومة الإقليمية الصوماليّة والحكومة الفيدراليّة التي تضع الحكومة الإقليميّة وقضايا قوميّات المنطقة في مركز اهتماماتها.

فقد تمّ استقبال رئيس الوزراء باحتفاليّة كبيرة شاركت فيها جميع قطاعات الشعب بدءاً من أرض المطار الذي كان فيه معظم أعضاء الحكومة المحلية برئاسة رئيس الإقليم عبد محمد عمر في استقباله والترحيب به، ومرورا بالسجادة الحمراء التي اصطفّت على على جانبيها فرق الغناء التي كانت تتغنى بأغاريد شعبية ترحيبية، وصولا إلى قاعة المراسيم في القصر الحكومي التي اصطحب إليه الوفد، والمكتظة بحشد كبير من مختلف شرائح المجتمع وقياداته، من شيوخ القبائل، وعلماء الدين، والسياسيين، حيث ألقى رئيس الوزراء كلمته أمام هذا العدد الهائل من المواطنين.

حفاوة تفوق المعهود والتقليدي للمنطقة التي عرفت أصلا بحسن الضيافة والكرم الصوماليّ الأصيل، عمل على مضاعفتها وزن الشخصية والتقدير الذي يكنّه أهالي المنطقة لرئيس وزراء الوطن والبلاد، أبيي أحمد، والذي يعتبر الشعب الصومالي زيارته للإقليم في هذه اللحظة الفاصلة من التاريخ الإثيوبي بأنها بالغة الأهمية شكلا ومضمونا، وذلك للاعتبارات التالية:

  • جاءت هذه الزيارة في وقت مبكر بعد انتخاب رئيس الوزراء، حيث لم يفصلها عن أدائه القسم الدستوري في ( 2/4/2018م) كرئيس للوزراء بإثيوبيا إلا ستة أيام فقط، وحتى قبل أن يشكل الحكومة الجديدة، مما يدل على مدى اهتمام رئيس الوزراء الجديد للإقليم الصومالي.
  • إن تشكيلة الوفد المرافق لرئيس الوزاء هي الأخرى التي تُكسب الزيارة أهمية استثنائية، فأعضاء الوفد مكونة من شخصيات فدرالية من العيار الثقيل، مثل نائب رئيس الوزراء، ورئيس الحزب الحاكم، ووزير الخارجية، ورئيس الإقليم الأورومي، وغيرهم من أعلى الهرم الحكومي الفدرالي.
  • تعيش المناطق الحدودية بين الإقليم الصومالي والإقليم الأورومي في وضع مضطرب وغير مستقر منذ العام الماضي، ويأمل الشعب الصومالي أن تساهم هذه الزيارة أو بالأحرى أن تنهي التوتر بين الطرفين.
  • كان هناك توجس لدى بعض الصوماليين من أن يؤدي رئيس الوزراء الجديد دوراً سلبيا في المشكلة الصومالية الأورومية بحكم أنه ينتمي إلى القومية الأوروميّة،ويبدو أن رئيس الوزراء أراد في هذه الزيارة أن يبدد هذه المخاوف ويرسل رسالة تطمين وسلام لهؤلاء المتخوفين، مفادها أنّه لجميع الإثيوبيين وليس لقومية معيًنة ضدّ قومية أخرى.

كل هذه العوامل وغيرها جعلت هذه الزيارة ذات نكهة خاصَة لدى الشعب الصومالي وحكومته في الإقليم، وهو ما انعكس إيجابا على الترحيب المنقطع النظير الذي لقيه رئيس الوزراء من الصوماليين.

أما أهداف الزيارة فقد حدد معالمها رئيس الوزراء بكلمته التي ألقاها أمام الحضور في قاعة الإجتماعات بالقصر الحكومي، حيث قال وبلغة حازمة: “جئت هنا لأنهى النزاع بين القومية الصومالية والقومية الأورومية والذي أدّى مع الأسف الشديد الى قتل وجرح وتشريد عدد من مواطنينا الأعزاء علينا”.

وكذلك أكد رئيس الإقليم الأورومي الذي كان مرافقا لرئيس الوزراء ووعد من طرفه أنه جاء هنا ليعلن إنهاء هذا الصراع المشؤوم بين الإخوة الأشقاء من الصوماليين والأوروميين. ومن جانبه رحب رئيس الإقليم الصومالي بهذه المبادرة مشددا على أنه يبادلهم نفس الروح الإيجابية وأنه يتمنى إنهاء هذا الملف وإلى الأبد.

وبناء على خطابات المسؤولين فليس من المبالغة اعتبار أن الزيارة قد حققت بعض أهدافها على الأقل في مرحلتها الأولى المتمثلة في بناء الثقة بين الطرفين للعوامل التالية:

  • ينبغي أن نعلم أن الرجل لديه مؤهلات عديدة ترشحه للنجاح فيما فشل فيه الآخرون، فهو أولاً يحمل أعلى شهادة علمية (دكتوراة)، وذو خبرة واسعة في مختلف المجالات المدنية والعسكرية والأكاديمية والسياسية، كما أنه ينتمي الى احدى القوميتين المتورطتين في النزاع، والمتضررتين به، إضافة إلى امتلاكه القوّة والصلاحيّة لاتخاذ قرار بشأنه لكونه يمثل أعلى سلطة تنفيذية في البلاد (رئيس الوزراء).
  • إن الرجل قد برهن على إرادته المخلصة للمصالحة الجادة بين الطرفين لقيامه بهذه الزيارة العاجلة للإقليم في أول زيارة يقوم بها خارج العاصمة أديس أبابا منذ انتخابه، ومن خلال كلمته في قاعة الاجتماعات أيضا، إلى جانب حثه رئيسي الإقليمين أن يتعانقا أمام الحاضرين كإشارة رمزية للسلام، وإيذاناً بانتهاء الصراع.
  • إن التجاوب الإيجابي غير العادي من قبل الحكومة الصومالية وشعبها في الإقليم مع رئيس الوزراء ووفده لأكبر دليل على أن رسالة السلام التي أراد رئيس الوزراء أن يوصلها إلى الصوماليين في هذه الزيارة قد وصلت إليهم والتقطوها مما أدى بهم إلى ردّ الجميل بالجميل.
  • إن هذه الزيارة قد أرسلت رسالة تفاؤل إلى جميع الإثيوبيين في أنحاء البلاد الذين يتطلعون إلى دولة إثيوبية مستقرة سياسيًّا ومزدهرة اقتصاديا تسود فيها العدالة، وتصان فيها الحريات الأساسية للمواطن، ويوفر له الحياة الكريمة فيها، حيث كانت مجريات هذه الزيارة في جملتها إعلاناً عن أن طريقة رئيس الوزراء الجديد في حل المشاكل بين القوميات الإثيوبية تكون بالاعتماد على الحوار والسلام والمحبة والأخوة.

واذا كانت الزيارة كما أسلفت موفقة في نظري كخطوة أولى، فمن المتوقع والمأمول أن تتبعها خطوة ثانية وثالثة حتى تتوج بالنجاح الكامل والشامل على أرض الواقع في المستقبل القريب إن شاء الله، وليس ذلك على الله بعزيز.

وفي الختام لا يسعني إلا أن أشكر رئيس الوزراء على هذه الزيارة التاريخية للإقليم الصوماليّ، لافتاً عنايته إلى أن يوسع دائرة السلام لتشمل أيضا الجبهات الإثيوبية المعارضة مثل جبهة OLF الأورومية، وجبهة ONLF الأوغادينية، وغيرهما، بل وإلى دول الجوار، مثل دولة أريتريا المجاورة التي تعيش المنطقة الحدودية بينها وبين إثيوبيا في حالة لا سلم ولاحرب منذ فترة طويلة، مما يؤثر سلبا على أوضاع كلا البلدين سياسيا واقتصاديا وعسكريا.

إبراهيم محمد حسينرئيس الجبهة المتحدة لتحرير الصومال الغربي سابقا

 

إبراهيم محمد حسين

رئيس الجبهة المتحدة لتحرير الصومال الغربي سابقا
زر الذهاب إلى الأعلى