هل تتجه حركة الشباب الصومالية إلى مهاجمة أهدافها ليلا؟

بي بي سي-

لم يكن اقتحام مقاتلي حركة الشباب الصومالية المتشددة القصر الرئاسي في مقديشو يوم الجمعة الماضي مصدر مفاجأة لي على الإطلاق، ففي زيارتي الأخيرة لهذا المجمع الهائل، أدهشني ذلك القدر الكبير من التهاون الأمني حول القصر.

ومع أنني مررت بعدد من نقاط التفتيش، إلا أن كل واحد منها بدا متراخيا وتسوده الفوضى أكثر من الذي قبله. وفوجئت بسماح قوات الاتحاد الأفريقي والحكومة الصومالية بمرور أحد مرافقينا، بالرغم من أن اسمه لم يكن مدونًا على قائمة الدخول عند بوابات القصر ولم يكن يحمل بطاقة هوية.

وبعد يوم من الهجوم، الذي قُتل فيه 11 شخصًا على الأقل، تحدثت إلى أحد مسؤولي حركة الشباب عبر الهاتف، وبدا صوته هادئًا واثقًا وفي مزاج جيد.

وقال “من المفترض أن القصر الرئاسي هو أكثر الأماكن أمانًا في العاصمة مقديشو، كما أن من المفترض أيضا أن مقديشو هي أكثر أجزاء الصومال أمانًا، إلا أننا تمكننا من مهاجمة قصر الرئيس. نصيحتي للرئيس الكافر حسن شيخ محمود أن يحاول حماية قصره والعاملين فيه قبل محاولة حماية البلاد.”

 

قبل الهجوم، بدت نقاط التفتيش متراخية وفوضوية

واستطرد مسؤول حركة الشباب في وصف تفصيلي استعدادات المقاتلين لذلك الهجوم، حيث قال إنهم قضوا بعض الوقت في مسح المنطقة وتحديد نقاط الضعف، ثم قاموا بعد ذلك بإعداد سيارة ملأوها بالمتفجرات.

وأضاف “لقد أعدوا أنفسهم للموت كالأسود. وبعد انفجار السيارة بعد عبورها البوابات، تقدم شبابنا على الاقدام ليمروا عبر خمس نقاط تفتيش للوصول إلى هدفهم.”

ومنذ بداية العام الحالي، ارتفعت وتيرة الهجمات في العاصمة الصومالية، وقد كنت موجودة هناك عند وقوع أولها في ليلة رأس السنة، وهو التفجير الذي استهدف فندق “الجزيرة بالاس” قريبا من مطار مقديشو الدولي ذي الحراسة المشددة.

ولم يكن صوت التفجير أشبه بـ”موسيقى مقديشو” الاعتيادية، وهو ذلك التعبير الذي يستخدمه السكان المحليون للإشارة إلى أصوات إطلاق النار والقنابل.

وبعد دقائق من الانفجار الأول، حدث انفجار هائل آخر. وهي الخطة التي يتبعها مسلحو الشباب بتفجير هدف بسيارة مفخخة، وما أن تتجمع قوات الأمن وسيارات الإسعاف والعامة للمساعدة، إلا وتستهدفهم بهجوم آخر.

وكنت على مقربة من الفندق عندما حدث الانفجار، فصعدت إلى أعلى المبنى الذي كنت فيه لرؤيته، حيث كانت ألسنة اللهب تتصاعد من موقع التفجير، وسط تبادل كثيف لإطلاق النار.

ومع وقوفي في موقع قريب من إطلاق النار، أخبرني من معي بضرورة الابتعاد عن المكان النزول إلى أسفل المبنى حتى لا أصاب بطلقات طائشة، وأخبرنا من كانوا في فندق الجزيرة عبر الهاتف أن مجموعة من مقاتلي الشباب أتوا في حافلة صغيرة وحاولوا اقتحام المبنى، لكنهم فشلوا في ذلك.

 

حضور حركة الشباب قوي في مقديشو رغم إعلان انسحابها في 2011

وإلى جانب التفجيرات الانتحارية المعتادة، والعبوات الناسفة بدائية الصنع والهجوم بالقنابل وحملات الاغتيالات، بدأت حركة الشباب في 2014 بشن هجمات ليلية على عدد من مقاطعات مقديشو، أصابت فيها بعض منازل المدنيين.

أما في النهار، فتقع أيضا اشتباكات بين قوات الأمن والمقاتلين في المناطق الشمالية من مقديشو، حيث لا يزال وجود حركة الشباب فيها قويًا رغم انسحابها الرسمي من المدينة في أغسطس/آب عام 2011.

كما انسحبت الحركة من عدة بلدان أخرى، بما في ذلك ميناء كيسمايو، لكنها ما زالت تجمع “الضرائب” في المناطق التي تسيطر عليها. وأخبرني بعض أصحاب الأعمال في مقديشو أنهم ما زالوا يدفعون رسوما لهذه الحركة.

وبما أن حركة الشباب تعمل بشكل سري، لذا فإن من الصعب تقدير عدد مقاتليها. إلا أن التقديرات الأخيرة تشير إلى وجود ما يقارب الـخمسة آلاف مقاتل، بمن فيهم عتاصر من المرتزقة الذين تدفع لهم الحركة نظير أعمال عنف يقومون بها، كإلقاء المتفجرات.

وفي القصر الرئاسي، كنت قد تحدثت مع الرئيس حسن شيخ محمد أن موقفه يتراجع من الناحيتين السياسية والأمنية، فهو لم يحقق أي تقدم يذكر ضد حركة الشباب منذ استيلائها على مدينة جوهار في ديسمبر/كانون الأول 2012.

عندئذ اختفت ابتسامته الهادئة وبدا عليه التحفز، وهو يقول: “أختلف معك في العديد من هذه الأمور، فالعكس هو الصحيح. لقد وضعنا القواعد لمؤسسات أمنية بقيادات وتشريعات جديدة. لكن بعد 23 عامًا من الصراع، من غير المعقول أن نظن أن هناك معجزات من الممكن أن تحدث.”

 

ستستمر هجمات مقاتلي الشباب كالناموس في الليل

وللأمانة، دُهشت من تركز حديث من في القصر الرئاسي حول من سيختارهم رئيس الوزراء الجديد، عبدالولي شيخ أحمد، ضمن حكومته. فلماذا ينصب اهتمام الصوماليين، مع استمرار أعمال العنف وظروف المعيشة المتردية التي يعيشها معظمهم، على السياسات الداخلية بهذا الشكل؟

وعندما وجهت سؤالي للصوماليين عن سبب تكثيف مقاتلي حركة الشباب لهجماتهم في مقديشو، أشار بعضهم إلى أنها رد على الحملة الجديدة التي تنوي قوات الحكومة والاتحاد الأفريقي شنها على الحركة، والتي يبلغ قوامها 22 ألف جندي حتى الآن.

لكن حركة الشباب نفت هذا السبب، وقال مسؤولها ذلك إنهم “غير قلقين بشأن هذه الهجمات، التي لا توجد بادرة جدية بشأنها”.

وأضاف “نحن نقاتل منذ عام 2007 على الطريق الصحيح، ولدينا أعمال تشرفنا، ومن الأمور الجيدة أن يموت أحدنا من أجل دينه”.

ومع بدء الهجمات الحكومية، من المرجح أن تتبع الحركة سياستها المعتادة بالانسحاب من المناطق الحضرية الباقية تحت سيطرتها.

وسيخلع بعض مقاتليها زي القتال ويندمجون وسط العامة، وقد ينتقل آخرون إلى ضواحي المدينة.

لكن مقاتلي الشباب سيستمرون في الهجوم كالناموس في الليل، مستهدفين مواقع وأهدافا هامة، وسيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، احتواؤهم.

 

BBC

زر الذهاب إلى الأعلى