مستقبل التيار الجهادي في الصومال (حركة الشباب نموذجاً)

 عوامل ظهور الحركة وفرض أجنداتها في الصومال:

بعد إنشاء (اتحاد المحاكم الإسلامية) كان هؤلاء “الشباب” جزءًا رئيسيًّا منه، وظلت الحركة تمثل النواة الصلبة للمحاكم طيلة فترة حكمها معظم المناطق الجنوبية  في الصومال  في النصف الثاني من عام 2006، إلا أنّهم احتفظوا بأُطُرهم التنظيمية، ومع دخول القوات الإثيوبية للأراضي الصومالية مع نهاية عام 2006م، وانتصارها على المحاكم في مقديشو، تعدّدت العوامل التي ساعدت حركة الشباب المجاهدين على إثبات وجودها وظهورها قوة في أرض الواقع، وفرض أجندتها في الداخل الصومالي، وكان من بين هذه العوامل:

العامل الأول: لجوء قيادات المحاكم الإسلامية إلى إريتريا والدخول في تحالفات سياسية مع قوى وطنية يتهمها معظم شباب المحاكم بالعلمانية والارتباط بالغرب؛ وإنشاء(التحالف من أجل تحرير الصومال) في العاصمة الإريترية أسمرا بقيادة الشيخ شريف شيخ أحمد في سبتمبر سنة 2007م، حيث اعتبر الشباب خطوة التحالف مع العلمانيين أو مَن لهم صلة بالحكومة الانتقالية بقيادة عبد الله يوسف “غير متوافقة” مع مبادئهم، ومِن ثم رفضوا الانضمام إليها رغبة في إنشاء حركة جهادية لا تأتمر من أي جهة، وأن الحركة تسعى إلى تحرير كامل التراب الصومالي، وتأسيس دولة إسلامية لا تقوم على أساس القوميات بل على الانتماء الديني فقط، قالها الناطق باسم الحركة مختار روبو في أثناء انعقاد المؤتمر في أسمرا.

 وفي ذاك الوقت قررت فيه قيادات حركة الشباب البقاء في الداخل وملء الفراغ القيادي ميدانيّاً وفكرياً.

العامل الثاني: خصوصية البيئة الصومالية، في ظل ما تعرّض له الشعب الصومالي خلال العقدين الماضيين من حروب أهلية وغياب الدولة المركزية، وموجات الجفاف والمجاعات، والحرمان من التعليم والرعاية الصحية اللازمة، وهو ما جعل ذاكرة الصوماليين تختزن ذكريات أليمة ومعاناة مستمرة تبحث عن الثأر والتحرر، ولهذا فإن أي خطاب ينصبّ على العداء لدول الجوار وحلفائها الغربيين من شأنه أن يدغدغ مشاعر الكثيرين من أبناء الصومال، ومع خلو الساحة من أي خطاب آخر، إسلاميّاً كان أم وطنيّاً، ظلّ الخطاب الجهادي هو البديل الوحيد المتوفر.

العامل الثالثة: ما حققته الحركة على الصعيد الميداني من مكاسب على الأرض، ونجاحها في تأسيس ولايات إسلامية في معظم مناطق وسط الصومال وجنوبه، وخضع لسيطرتها ثلثا مساحة أحياء العاصمة مقديشو منذ عام 2009م.

وجميع ما تقدم جعل خطاب الحركة أكثر قبولاً لدى فئة الشباب الحاملين للسلاح، وأصبح العدوان الإثيوبي على الصومال أهم اختبار لمصداقية التيار الجهادي الذي لازم حمل السلاح من أجل الجهاد ضد الكفار والمعتدين، ووفّر لهم المسوّغ لحمل السلاح في وجه العدوان الإثيوبي.

عوامل تراجع الحركة أمام أعدائها:

كان أول ظهور علني للحركة عام 2006م في أثناء سيطرة اتحاد المحاكم الإسلامية على العاصمة مقديشو ومعظم مناطق وسط الصومال وجنوبه ما تقدم؛ حيث كان للشباب المجاهدين نفوذ قوي في المحاكم الإسلامية، وكانت معظم الميليشيات المسلّحة التابعة للمحاكم الإسلامية تحت قيادات عسكرية من الشباب المجاهدين، وكان في العاصمة معسكر لتجنيد  المقاتلين الجدد وتدريبهم.

ومع دخول القوات الإثيوبية للأراضي الصومالية مع نهاية عام 2006م، وانتصارها على المحاكم في مقديشو كان للحركة وجود قوي في أرض المعركة وسيطرة واضحة في مناطق المحررة إلا هناك عوامل متعددة قد ساهمت في تراجع قوة حركة الشباب المجاهدين فيما بعد، ومن بين هذه العوامل:

العامل الأول: زيادة عدد القوات الإفريقية العاملة في الصومال:

 زيادة عدد القوات الإفريقية المشاركة في عمليات حفظ السلام في الصومال، والتي أدّت إلى تغيير ميزان المواجهات لصالح الحكومة الصومالية وحلفائها، ففي البداية كان عدد القوات الإفريقية لحفظ السلام أربعة آلاف جندي من أوغندا وبوروندي، واقتصرت مهمتهم على تأمين القصر الرئاسي والمطار والميناء في مقديشو، لكن بعد أن كثّفت المعارضة الإسلامية هجماتها وكادت تطيح بالحكومة؛ بدأت كلٌّ من أوغندا وبوروندي مضاعفة عدد جنودها في مقديشو، حتى وصل عددهم إلى أكثر من خمسة عشر ألف جندي، وأصبح بإمكانهم شنّ هجمات على مواقع الشباب.

العامل الثاني: حملة نهاية المعتدين:

في نهاية عام 2010م أعلنت حركة الشباب حملة عسكرية في نهاية عام 2010م باسم «نهاية المعتدين» بهدف إنهاء وجود القوات الأجنبية في مقديشو وإسقاط حكومة شريف شيخ أحمد، وكان هذا القرار من وجهة نظر البعض خطأً استراتيجياً وقعت فيه الحركة، لعدة اعتبارات: أنها لم تقدّر حجم العدو الذي تحاربه والقدرات التي يملكها مقارنة بمقاتليها، وأن سوق «بكارى» أكبر سوق في العاصمة كان يقع تحت سيطرة الحركة، وكان لها ملاذاً آمناً يحتمي به مقاتلوها، كما كان يمثّل لها مصدراً اقتصاديّاً مهمّاً، ومع فشل حملة «نهاية المعتدين» تغيّرت خارطة أطراف الصراع، ووصلت المعارك إلى محيط السوق، وهو ما أجبر التجار على إخلاء السوق والانتقال إلى مناطق أخرى.

العامل الثالث: فرار المهاجرين من الصومال:

كان من أهم عناصر التفوّق العسكري لحركة الشباب وجود مقاتلين غير صومالية من أصول وجنسيات مختلفة يمتلكون خبرات واسعة، حيث شاركوا في معارك عديدة، سواء في أفغانستان أو البوسنة أو الشيشان أو كشمير، ونقلوا خبراتهم العسكرية إلى مقاتلي الحركة في الصومال، لكن مع بداية عام 2009م بدأت الولايات المتحدة عملية استهداف أهم المقاتلين الأجانب في الصومال، الأمر الذي حدّ من حرية حركتهم، وانعكس على معدلات ثقتهم بمحيطهم، وهو ما دفع الكثيرين منهم للخروج من الصومال واللجوء لمناطق أخرى.

العامل الرابع: انسحاب الحركة من مقديشو:

في السادس من سبتمبر 2011م قرّرت حركة الشباب الانسحاب كليّاً من العاصمة مقديشو: وأعلنت عن إخلاء مواقعها بشكل تكتيكي، لكنه لم يكن انسحاباً تكتيكيّاً بقدر ما كان تداركاً للوضع وعدم تكرار أخطاء الماضي، ثم انسحبت الحركة في المرحلة التالية من مدن ومواقع مهمة واستراتيجية، كان آخرها مدينة «كيسمايو» الساحلية في جنوب الصومال، والتي استولت عليها قوات كينية وميليشيات صومالية، وهو ما أفقد الحركة أهم مواقعها الاستراتيجية وآخر مواردها الاقتصادية.

العامل الخامس: الخلافات التي نشبت بين قيادات الحركة:

منذ أكثر من عام كان هناك صراع داخلي بين قادة حركة الشباب المجاهدين بعد نجاحها في استيعاب الحزب الإسلامي المنحل وسيطرتها على أكثر من ثلثي مساحة جنوب الصومال، وكان في داخل الحركة تياران، تيار يقوده أمير الحركة أحمد عبدي غودني المعروف حركيا بـ (مختار أبو زبير)، وتيار يقوده الشيخ مختار روبو علي المعروف بأبي منصور، وبعد أن استقال من منصب الناطق الرسمي باسم الحركة وتعيينه نائبا للأمير، دارت تكهنات حول صلاحيات أبي منصور ودوره في الحركة، إلا أن الحركة اشتهرت في تكتيمها الشديد لأسرارها الداخلية التي لا يطلع عليها أحد.

وقد حافظت الحركة على تماسكها طيلة صراعاتها المريرة مع الحكومات الصومالية المتعاقبة إلا أن التسجيل المصور الذي وضع على اليوتيوب في تاريخ 26آذار(مارس)2012م، والذي ظهر فيه المهاجر الأمريكي السوري الأصل عمر حمامي المعروف بأبي منصور الأمريكي فجَّر القضية؛ حيث اتهم الأمريكي في تسجيله المصور قيادة الحركة بسعيها لتصفيته جسديا، وقد أثار هذا التسجيل ضجة كبيرة في أوساط المتابعين، وردَّت الحركة بنفي تهمة الأمريكي، إلا أن أبا منصور الأمريكي أثار القضية من جديد في حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” فكتب فيها أنه مهدد ومطارد من قبل قيادة الحركة، وأنه يستغيث لإنقاذه.

وقد بزرت أصوات مدافعة عن القيادي  في الحركة أبي منصور الأمريكي في داخل الحركة، وفي مقدمتهم الشيخ حسن طاهر أويس الذي ذكر بأن الأمريكي مظلوم ويجب مناصرته، وفي بداية أبريل  2013م تطورت الخلافات؛ حيث أصدر القيادي الكبير في الحركة إبراهيم جامع ميعاد المعروف بأبي بكر الزيلعي(قتل في يد الحركة) بيانا سماه (إني أنا النذير العريان)، وهو عبارة عن رسالة إلى زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري تضمَّنت كثيرا من ملابسات الخلافات الداخلية، داعيًا القيادة العامة للقاعدة تدارك الموقف قبل فوات الأوان.

وبعد صدور البيان أصدر أمير حركة الشباب أحمد غودني مذكرات توقيف “لدعاة الانشقاق” في الحركة، وعلى رأسهم أبو منصور الأمريكي، وحسن طاهر أويس، وإبراهيم الأفغاني، ومعلم برهان(قتل أيضا برصاص الحركة)، وأبو منصور مختار روبو، وغيرهم، أما أبو منصور الأمريكي فأحاط به مسلحون تابعون له أغلبهم من المهاجرين، وقد دخلت معهم حركة الشباب التابعة للأمير اشتباكات عنيفة قرب قرية رام عدي في إقليم باي، حتى تم قتله بقرب مدينة دينسور 2013-09-12مع اثنين كانا معه إثر إعلانه الانسحاب من الحركة وتنظيم القاعدة معا.

وأما حسن طاهر أويس ففرَّ 19 (يونيو) 2013م، على متن سفينة مع بضعة مسلحين من حرسه إلى الأقاليم الوسطى من الصومال بعد عملية براوه، وسلَّم نفسه لإدارة حمن وحيب الإقليمية، وبعد مفاوضات سلمت الإدارة الشيخ حسن طاهر إلى الحكومة الفيدرالية 30 من حزيران (يونيو) 2013م، وفور وصوله إلى مقديشو زجَّ به في معتقل بمركز الأمن القومي في مقديشو.

وأما إبراهيم الأفغاني ومعلم برهان فقد قتلا في مدينة براوي في 24 حزيران(يونيو) 2013م.وتضمن بيان الحركة أسباب قتل هؤلاء القادة:

1.السعي إلى تفرقة المجاهدين.

2. بث أخبار كاذبة بين المجاهدين.

3. السعي إلى تخريب العمل الجهادي في الصومال.

4.الخروج عن طاعة الأمير.

مستقبل التيار الجهادي في الصومال حركة الشباب نمودجا:

لقد وصل نفوذ جماعات الجهادية الصومالية وتأثيرها إلى ذروتها مع بروز اتحاد المحاكم الإسلامية، ومن بعدها حركة شباب المجاهدين، بوصفها قوة رئيسة مهيمنة على الساحة الصومالية في يونيه 2006، عقب نجاحه في طرد الفصائل المسلحة من العاصمة مقديشيو، ثم نجاحه في توحيد العاصمة للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب الأهلية في الصومال، ثم شروعه بعد ذلك في مد نفوذه وسيطرته إلى العديد من المناطق الأخرى في جنوب ووسط الصومال، بحيث بات خلال النصف الثاني من عام 2006 القوة الرئيسة الفعلية في الصومال، حتى وإن قادته ظلوا يعلنون دوماً عن عدم رغبتهم في السيطرة على الحكم أو الإطاحة بالحكومة الانتقالية التي كانت تقيم في العاصمة المؤقتة بيداوا. وتمثل الهزيمة العسكرية التي تعرضت لها المحاكم الإسلامية على أيدي القوات الحكومية الإثيوبية، التي كانت مدعومة بقوة من الولايات المتحدة، لطمة عنيفة لتيار الإسلام السياسي في الصومال عامة، بما يطرح تساؤلات وعلامات استفهام حول مستقبل هذا التيار في الساحة السياسية الصومالية، إلا أن هذه المسألة تثير بدورها احتمالات متنوعة على النحو التالي:

الأول: يتعلق بأن تيار الجهادي عموماً، وحركة الشباب خاصة، تمر بمأزق كبير، لاعتبارات متعددة، منها:

  1. لقيت الحركة تراجعات واسعة وسريعة على أيدي القوات الحكومية والإفريقية، لأن حركة الشباب وقعت في أخطاء سياسية وعسكرية فادحة في المناطق التي كانت تسيطر فيها أو تسيطر الآن، وكانت الحركة تسيطر على مناطق واسعة في وسط وجنوب البلاد، لاسيما صعود الوزن النسبي للعناصر المتشددة داخل الحركة على حساب العناصر المعتدلة، وهو ما انعكس في تنفيذ إجراءات متشددة تحت مظلة تطبيق فرض الشريعة الإسلامية على سكان المناطق التي سيطروا عليها.
  2. عدم قبول التعايش السلمي أو الاحترام مع التيار السلمي وتفضيل خيار المواجهة المسلحة، من دون فهم حقيقة موازين القوى السياسية والعسكرية في المنطقة بدقة.
  3.  التبني بفكر التشدد: أن القطاع الأكبر من المجتمع الصومالي يرفض الفكر الديني المتطرف الذي تؤمن به الجماعات الجهادية، ومنها العناصر المتشددة في التيار، ويميل أغلب الصوماليين إلى الفكر الوسطي المعتدل. ويردد الكثيرون أن قطاعات واسعة من الصوماليين كانوا قد رحبوا الحركة، وأيدوها في فترة ما قبل الحرب ضد التيارات الأخرى أي ما قبل عام 2009م، ليس قبولاً لأفكارها المتشددة في مجال تطبيق الشريعة الإسلامية، وإنما لما قدمته من خدمات عامة، ولنجاحها في تحقيق الأمن والاستقرار في المناطق التي سيطرت عليها. ولكن من المهم أيضاً ملاحظة أن جماعات الإسلام السياسي الصومالية، لاسيما حركة شباب المجاهدين باتت موضوعة في بؤرة الاستهداف من جانب القوات الحكومية و الإفريقية والولايات المتحدة.

الثاني: يتمثل في أن تاريخ الجماعات الجهادية في الصومال يظهر قدرتها الفائقة على البقاء، وعلى ابتداع أشكال جديدة لحركتها الجهادية، حتى لو أصيبت بضربات شديدة في بعض الفترات، ما يتيح لها القدرة على معاودة الظهور مجدداً على الساحة الصومالية، إذ كانت إثيوبيا قد وجهت ضربات عسكرية قاضية لجماعة الاتحاد الإسلامي خلال التسعينيات، بحيث ساد الاعتقاد وقتذاك بأنها لم تعد موجودة أصلاً على الساحة الصومالية، إلا أن كثيراً من قادة وأعضاء تلك الجماعة برزوا مجدداً في فترة اتحاد المحاكم الإسلامية، بما في ذلك رئيس مجلس شورى المحاكم الإسلامية الشيخ “طاهر حسن عويس”، والقائد العسكري لميليشيا المحاكم “حاشى عيرو” وبعض كبار القادة العسكريين في المحاكم، ما كان يدفع للاعتقاد بأن قادة حركة الشباب وأعضاءها يمكن أن يستعيدوا قوتهم في المستقبل، من خلال أشكال تنظيمية جديدة، لاسيما وأنهم ما زالوا يتحصنون في المناطق جنوب الصومال.

فإن مستقبل حركة الشباب سوف يتوقف على الكيفية التي سوف تتطور بها حركة التفاعلات بين القوات الحكومية والإفريقية وحملة المتوقعة في الأيام القادمة بمشاركة إيثوبية، فإذا نجحت الحركة في شن حرب عصابات ناجحة ضد القوات المتحالفة، فإن ذلك يمكن أن يساعد على بروزها مجدداً قوة سياسية وعسكرية فاعلة على الساحة الصومالية، وربما يمثل ذلك عنصراً ضاغطاً على الأطراف الأخرى للاعتراف بها. والعكس صحيح إذا انهارت الحركة تماماً، وعجزت عن النهوض مجدداً، أو إذا عجزت عن تنفيذ التعهدات التي ألزمت نفسها بها على صعيد تنفيذ عملية مقاومة مسلحة منظمة ضد القوات الإفريقية في الصومال.

المراجع:

  1. موقع شبكة الشاهد
  2. موقع مجلة إقراءات إفريقية

محمود عبدالصمد محمد( ذو اليدين)

باحث بمركز مقديشو للبحوث والدراسات
زر الذهاب إلى الأعلى