فارح عبدالقادر … رجل المهمات الصعبة

 “ليس رجل عادي” هكذا يقول مؤيدوه عندما سألتهم. ويصفونه بالسياسي المحنك في القصر الرئاسي. بينما يتهم معارضوه بأنه الرجل القوي في“فيلا صوماليا” الذي بيده ملفات كل شيء ولاسيما الحساسة منها التي بالامكان استخدامها من قبل البعض في النيل من هيبة الحكم والانتقاص من شرعية “نظامهم” الناشيء في البلاد. فمهما اختلفت الآراء السياسيين حول شخصية الاستاذ فارح عبدالقادر الا أن الأمر المتفق عليه هو دوره الكبير في صياغة تاريخ هذه المرحلة .

ملف “جوبالاند”

 ومن أهم الملفات التي تولى فارح شيخ عبد القادر إدارتها ونجح في وضع بصماته فيها، ملف اقيم “جوبا ” أكثر الملفات تعقيدا وخطورة في عالم السياسية الصومالية نتيجة تشابك مصالح قوى داخلية واقليمية تتنازع على تقرير مصير هذا الاقليم الاستراتيجي الواقع على الساحل المحيط الهندي المليء بالنفط والغاز والذي يربط أيضا الصومال بدولتي المحور كينيا وإثيوبيا اللتان تتواجد قواتهما في أجراء كبيرة من الأراضي الصومالية.

استطاع الرجل بفصل شبكة علاقات قوية بناها خلال سنوات عمله في المجال الإغاثي”وبمساعدة من جهات نافذة” في دول الجوار انهاء أزمة “جوبا” بشكل سلمي أقنع الطرف الأساسي في معادلة الصراع ورفع الحرج عن الحكومة المركزية التي أبدت امتعاضها عن اعلان زعماء الاقليم إنشاء كيان ذاتي دون التشاور معها وبدعم ومساندة من الحكومة الكينية .

فور اندلاع الأزمة شمر فارح عبدالقادر سواعده ودخل في مارثون تفاوضي طويل مع إدارة “جوبا” والأطراف الأخرى المعنية بالملف بهدف إحتواء الأزمة، ومنعها من الخروج عن السيطرة. وعقدت أولى جلسات تلك المفاوضات في عواصم اقليمية من بينها نيروبي وكمبالا وتوجت فيما بعد بمؤتمر مصالحة عامة عقد في أديس أبابا بإثيوبيا برعاية من وزير الخارجية الأثيوبية حيث توصل الطرفان الي حل اطاري وافقت الحكومة الصومالية بموجبه اعتراف إدارة اقليم “جوبا” التي يرأسها أحمد اسلان مدوبي الموالي للحكومة الكينية.

 ملف العلاقات الصومالية العربية

كان فارح شيخ عبدالقادر قبل توليه إدارة ملف “جوبا” أحد أبرز الوجوه التي سعت الي اقامة علاقات جيدة مع الدول العربية ولاسيما الدول الخليجية التي زارها أكثر من مناسبة، تارة برفقة الرئيس حسن شيخ محمود وتارات أخرى مع وفود كانت تمثل الحكومة في مؤتمرات دولية.

التقى فارح عبدالقادر خلال جولاته في الدول العربية وخاصة المحورية منها كالكويت والسعودية ومصر مع عدد من المسؤولين في هذه الدول وبحث معهم عن العلاقات الثنائية وسبل تقديم دعم سياسي واقتصادي للحكومة الصومالية، كما التقي عددا من ممثلي الصحافة في تلك الدول لشرح التطورات والمستجدات في الساحة الصومالية وموقف بلاده المؤيد للقضايا العربية وفي مقدمتها القصية الفلسطينية.

يعتقد كثيرون أن تلك الزيارات نجحت لحد ما  في كسب تعاطف هذه الدول مع ملف الصومال الذي لايزال رهين  دول غربية وأفريقية لها اجندات خاصة تتقاطع مع مصالحها الاقتصادية في المنطقة القرن الأفريقي ومنطقة البحيرات العظمي، كما نجحت تلك الزيارت في اقناع مسؤولي تلك الدول بأن عهد لوردات الحرب قد ولي دون رجعة وأن الصومال جدير في هذه المرحلة بدعم مادي ومعنوي كبير كي يستعيد دوره الريادي بين أشقائه في العالم العربي والاسلامي.

رحلته الي  فيلا صوماليا

ظهر فارح عبدالقادر في المشهد الصومالي مطلع التسعينات حين عينه الدكتور عبدالرحمن السميط رحمه الله مؤسس جمعية العون المباشر( لجنة مسلمي أفريقيا سابقا) رئيسا لمكتبها الفرعي في العاصمة مقديشو وسط أجواء أمنية وسياسية بالغة التعقيد كانت تجعل لازما على كل شخص ينوي تقلد مسؤولية بهذا الحجم أن يعيد تفكيره خوفا على نفسه وعلى عمله من تدعيات الحرب الأهلية التي كانت تشتد أوارها أنذاك في مقديشو.  

لكن لم يأبه فارح عبدالقادر لتك الخطورة وحقق خلال رئاسته مكتب جمعية العون المباشر انجازات كبيرة لا تخطئه العين وتمكن في فترة وجيزة من تدشين شبكة مدارس ومعاهد تعليمية عملاقة في مختلف مناطق البلاد ومنطقة القرن الأفريقي وفرت لآلاف من شباب الصومالين فرصا تعلمية لم يكن أحد يحلم بها في ذاك الحين.

لم تكن أهداف فارح عبدالقادر مقتصرة على المجال الإنساني وانما كان يعد نفسه أيضا للخوض في غمار السياسة وحاول أكثر من استحقاق سياسي البحث عن موطأ قدم في مراكز صنع القرار بالصومال لكن كان ينحني كل مرة للعواصف، وكان يكتفي بتولي مناصب غير رفيعة في الحكومات الانتقالية التي مرت بالبلاد من بينها وكيل وزراة التربية والتعليم، غير أن تلك المناصب- كما يقول البعض- هي التي شكلت نقطة إنطلاق الرجل نحو القصر الرئاسي في مقديشو.

في عام 2012 وخلال غمرة الحراك المجتمع الدولي لإنهاء الفترة الانتقالية في الصومال رأى فارح عبدالقادر من بين هذا الحراك فرصة لا تعوض نحو تحقيق طموحاته والظهور في المشهد السياسي بشكل رسمي، وقررالخوض في سباق الانتخابات الرئاسية ليس كمرشح وإنما داعما للرئيس الحالي الذي كان أحد رفقاء دربه في مسيرة عمله في المجال الخيري.

 وتمكن الرجل من خلال شبكة علاقاته القوية وسياساته الناعمة من تشكيل جبهة سياسية دخلت الانتخابات البرلمانية بصورة أكثر نتظما من التيارات الأخرى وهو الأمر الذي سهل لها فيما بعد، قلب الطاولة على الرئيس السابق شيخ شريف الذي كان المرشح الأوفر حظا للفوز برئاسة الصومال.

الدستور الفدرالي … العنوان الأبرز للمعركة القادمة

فيما يبدو، مهمات فارح عبدالقادر لم تنته بعد وأمامه طريق طويل وشاق. والشهور القليلة القادمة هي المحك والفيصل الذي يحدد معالم مستقبل النظام الحالي ودوره في العملية السياسية ما بعد 2016. وأن قبول فارح عبدالقادر تعيينه وزيرا للعدل في الحكومة الحالية يحمل دلالات ومعاني هامة تتقاطع مع تلك التطورات المرتقبة؛ لأن المعركة القادمة دستورية، والفريق السياسي المحاط بالرئيس يعرف ذلك جيدا، ويستعد لمعركة كبيرة عنونها الأبرز “الدستور الفدرالي” والسيد فارح عبدالقادر هو أحد أبطالها التي ينبغي أن تحدد ملامح “الانتصار”.

 

زر الذهاب إلى الأعلى