الصراع بين أمريكا وإيران يعزز النفوذ الإثيوبي في إفريقيا على حساب الدور المصرى

أصبحت إثيوبيا الدولة الإفريقية صاحبة الدور المحوري في أغلب مشكلات القارة، حيث تنامى نفوذها بشكل كبير في الفترة الأخيرة؛ فاستطاعت أن تستميل جاراتها في الشرق الإفريقي وكذلك استطاعت أن تستميل أهم الدول الإفريقية والغربية.

وتنامي هذا النفوذ يعود إلى صراع النفوذ والتحالفات الجديدة التي صنعتها الحرب بين إثيوبيا وإريتريا، ففي عام 2010، بلغت الحرب الإريتريةـالإثيوبية، عامها الثاني عشر، وهي سنوات كانت كفيلة بأن تغير إفرازاتها ملامح القرن الإفريقي ككل، خصوصا مع المتغيرات الدولية والإقليمية، ولعبة التوازنات في المنطقة خاصة بعد انفصال السودان، والمشكلات التي أغرقت الصومال وجيبوتي والكنغو ومالي وموريتانيا.

ونتيجة الحرب كانت خسارة إريتريا خسارة كبيرة، حيث مثلت الحرب انعطافة كبيرة في مسيرة “أسمرا”، التي تحولت أراضيها إلى مقرات وقواعد لكل راغب في عمل معارض، ابتداء بالحركات المتمردة في السودان، مرورا بحركات إثيوبيا المناوئة لحكومتها، كحركة “تجراي” و”أمحرا” و”أوغادين”، مرورا بتنظيمات الصومال وجيبوتي.

وخلال تلك المدة أجادت حكومة أسمرا فن النكاية بالآخرين، فدعمت المعارضة السودانية؛ لأن الخرطوم وقفت في معسكر إثيوبيا، مما أجبر الخرطوم على الوقوف على الحياد، درءا لشرور “أسمرا”، ثم دعمت “المجاهدين” الصوماليين – وهي عدوة المجاهدين الإريتريين- نكاية بإثيوبيا، في مشهد أعاد فيه التاريخ نفسه، حيث سبق أن بالغت أسمرا في تمتين علاقتها بتل أبيب، نكاية بالعرب لوقوفهم مع اليمن في الصراع مع “حنيش”.

كما دفعت التوترات التي نشأت بين الولايات المتحدة وإريتريا، بأريتريا إلى البحث عن دولة تكون تماسا سلبيا مع واشنطن، فكانت إيران هي الضالة المنشودة، حيث توثقت العلاقات بين طهران وأسمرا، مما أدى إلى تحولات في مواقف إريتريا تجاه العديد من القضايا، إذ ظهرت النبرة الانتقادية لإسرائيل، وبدأ الوقوف مع الشعب الفلسطيني، خصوصا حركة “حماس” واضحا، وبات التلفزيون الرسمي يعرض بشكل دوري مشاهد من المجازر الإسرائيلية، والتي كان محرما عرضها،.

وبذلك تتضح حقيقة أن النفوذ الإثيوبي تنامى في القارة بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها إسرائيل بعد أن استعانت إريتريا بإيران العدو الأول لأمريكا، حيث دعمت إثيوبيا الكيان الصهيوني في المنطقة، والدليل حصول الأجهزة الأمنية المصرية على معلومات تفيد بأن إثيوبيا وكينيا ونيجيريا كانوا يحاولون تعزيز ترشح إسرائيل بصفتها عضو مراقب في الاتحاد الإفريقي، وما زالت هذه الدول تحث باقي دول الاتحاد؛ لتشمل مناقشة هذا الطلب على جدول أعمال القمة الإفريقية في يناير هذا العام بأديس أبابا.

أما بالنسبة لعلاقة السودان بإثيوبيا والتي توطدت في الفترة الأخيرة بشكل كبير، وتحولوا من علاقتهم الصديقة بمصر لعلاقة مضطربة بسبب تحيزهم للجانب الإثيوبي في الصراع الأخير بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة، فنستطيع القول إنه منذ عام 1959، وقف السياسيون السودانيون مع مصر عند التفاوض مع بلدان إفريقية أخرى حول حقوق مياه النيل، ولكن الآن تغير الوضع.

ولمعرفة ماذا حدث بالضبط في هذه العلاقات، ولكي نفسر تصريحات “البشير” في يونيو ويوليو 2013، بأن السودان يدعم بناء سد النهضة الإثيوبي، رغم اعتراضات مصر على بناء السد؛ فمن الضروري أن ننظر على حد سواء في أحداث الأشهر القليلة الماضية، وعلى أحداث تقسيم السودان منذ عام 2011.

وفي تلك الأثناء المتوترة في الوطن العربي كله والذي تحاول السودان أن تكون بمنأى عنه، خلقت الاضطرابات في الشرق الأسط التنافس على الموارد المالية والسياسية العربية وفحوى طائفي متزايد من هذه الصراعات، حيث نفرت  السعودية والإمارات من القيادة السودانية؛ نتيجة لاعتماد النظام على إيران باعتبارها المورد العسكري والحليف الأساسي لها.

وبالنظر إلى مصر في الفترة الأخيرة وبعد ثورة يناير، نجد القاهرة قد تحولت إلى الداخل، مما سمح ببروز إثيوبيا كحليف إقليمي رئيسي في الخرطوم، وعلى استعداد قوي للتوسط في النزاعات مع جنوب السودان، وتوفير قوات حفظ السلام في إبيي.

وبما أن السودان أصبح غير جذاب على نحو متزايد لمواقع الاستثمار الأجنبي، أصبحت إثيوبيا أكثر جاذبية من السودان؛ فقد سمحت إثيوبيا بزيادة الاستثمارات السودانية وعملت على استقرار السودان السياسي، كما تفرغت لمشاريع البنية التحتية الكبيرة في إثيوبيا، ودشنت سد النهضة الذي عارضته مصر ولم تستطع معارضته السودان بسبب التغلغل الاقتصادي لإثيوبيا في الخرطوم.

موقع البديل 

زر الذهاب إلى الأعلى