أميركا تعيد التواجد في الصومال

أرسل الجيش الأميركي سراً عدداً صغيراً من المدربين والمستشارين العسكريين إلى الصومال في أكتوبر وهي المرة الأولى التي يرسل فيها قوات اعتيادية لذلك البلد الذي تمزقه الحروب، منذ عام 1993 عندما تم إسقاط طائرتين وقتل 18 أميركياً فيما عرف بكارثة «إسقاط بلاك هوك». وقال ثلاثة مسؤولين عسكريين أميركيين إن هناك حالياً خلية من أفراد الجيش الأميركي في العاصمة الصومالية مقديشو لتقديم النصح وتنسيق العمليات مع القوات الأفريقية التي تقاتل لانتزاع السيطرة على البلاد من جماعة «الشباب» الإسلامية المسلحة المتشددة التي تدين بالولاء لـ«القاعدة». ويعتبر وجود القوات الذي كان سراً من قبل، بما يقل عن 30 جندياً، انقلاباً في السياسة الأميركية التي حظرت فعلياً على مدار عقدين نشر «قوات في الميدان» في الصومال. وحتى مع ظهور القراصنة الصوماليين والإرهابيين باعتبارهم الأولوية الأمنية الأولى في المنطقة ظلت الإدارات الرئاسية المتوالية ووزارة الدفاع الأميركية عازفة عن إرسال قوات إلى ذلك البلد الواقع في منطقة القرن الأفريقي، خوفاً من تكرار كارثة مشابهة لإسقاط الطائرة.

وفي السنوات القليلة الماضية تدخلت إدارة أوباما ببطء وحذر في الصومال. فقد انطلقت طائرات بدون طيار من قاعدة أميركية في جيبوتي لتقوم بمهمات تجسس وضربات جوية من حين إلى آخر في سماء الصومال. ونزلت قوات من العمليات الخاصة إلى الأراضي الصومالية في مناسبات نادرة لشن هجمات ضمن جهود مكافحة الإرهاب وإنقاذ رهائن ولكن سراً ولمدة لا تزيد على بضع ساعات. وفي يناير عام 2013، تعاونت الولايات المتحدة رسمياً مع الحكومة الاتحادية الجديدة للصومال وأعادت العلاقات الدبلوماسية لأول مرة منذ انهيار البناء السياسي للبلاد عام 1991. ولم تعاود وزارة الخارجية فتح سفارة لها في مقديشو ولكن دبلوماسيين أميركيين زاروا العاصمة الصومالية لفترات وجيزة.

وقد أدارت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي. أي. أيه» قاعدة في الصومال لسنوات ومولت قوات الأمن الصومالية وأبقت أنشطتها هناك في طي الكتمان إلى حد كبير. وربما اتضحت النوايا الأميركية في التدخل العسكري بشكل أكبر في الصومال الصيف الماضي عندما زار الجنرال ديفيد رودريجيث، قائد القوات الأميركية في أفريقيا، العاصمة مقديشو. وفي أكتوبر قالت «أماندا دوري» مسؤولة شؤون أفريقيا في البنتاجون أمام الكونجرس إن الجيش «سيعزز وجوده في مقديشو بالتوازي مع وزارة الخارجية». وعلى رغم أن «دوري» لم تقدم تفاصيل، فقد أرسلت القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا في نفس الوقت تقريباً عدداً صغيراً من المستشارين إلى مقديشو لإقامة خلية تنسيق مع قوات الأمن الصومالية، ومع تحالف القوات الأفريقية الإقليمية بحسب ما قال المسؤولون العسكريون الأميركيون الثلاثة الذين تحدثوا مشترطين عدم الكشف عن هوياتهم لأن المهمة لم يكن قد أعلن عنها.

ومنذ عام 2007، أنفقت الحكومة الأميركية أكثر من 500 مليون دولار لتدريب قوة للاتحاد الأفريقي قوامها 18 ألف جندي وتزويدها بالعتاد وقد أريد بها أن تفرض النظام في الصومال وتعزز قوة الحكومة الوطنية. ومعظم الجنود من أوغندا وبورندي ويتلقون تدريباً خارج الصومال من متعاقدين أميركيين ومستشارين عسكريين من الجيش. وقد أنفقت الولايات المتحدة أكثر من 170 مليون دولار لإنشاء جيش صومالي وطني ناشئ على رغم أنه ما زال ضعيفاً نسبياً ولا يعتمد عليه وحده. وتسيطر قوات الاتحاد الأفريقي على معظم مقديشو وتتوسع تدريجياً لفرض سيطرتها على مناطق أخرى. وقد أرسلت كل من أثيوبيا وكينيا قوات إلى الصومال فرضت سيطرتها على مناطق بالقرب من حدودها. وعلى رغم كل عمليات التدخل فإن جماعة «الشباب» ما زالت تسيطر على مناطق من البلاد.وفي بيان صدر في وقت متأخر يوم الجمعة، أكد الكولونيل توماس ديفيس المتحدث باسم القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا عملية نشر القوات. وقال إن خلية تنسيق عسكرية أرسلت إلى الصومال في أكتوبر «وهي تعمل الآن بشكل كامل». وشهد شهر أكتوبر الذكرى العشرين لمعركة إسقاط طائرة «بلاك هوك» بين قوة مهام من قوات العمليات الخاصة الأميركية وقوات موالية لأمير الحرب الصومالي محمد فارح عديد. وكانت القوات الأميركية في الصومال في ذلك الوقت تدعم عمليات مساعدات إنسانية تقوم بها الأمم المتحدة. ولكن الخسائر الكبيرة وأشباح صور الأميركيين القتلى الذين سُحلوا في الشوارع دفعت إلى انسحاب أميركي سريع وجعلت واشنطن تبتعد عن التدخل في صراعات أخرى لسنوات.

وتشن الجماعة حرباً منذ سنوات على الزعماء الصوماليين المدعومين من الغرب. وتتبع الجماعة المسلحة تفسيراً منغلقاً للشريعة وتطبقه في المدن والقرى التي تسيطر عليها. وقد أعلن زعماؤها الاندماج مع تنظيم «القاعدة» قبل عامين، وهناك خلاف بين المحللين السياسيين الأميركيين بشأن مدى التهديد المباشر الذي تمثله على الولايات المتحدة. وقد دبرت الجماعة عدة مؤامرات إرهابية في دول أخرى في شرق أفريقيا منها الحصار الذي استمر أربعة أيام لمركز التسوق الراقي «ويست جيت» في وسط العاصمة الكينية نيروبي في سبتمبر الماضي الذي قتل فيه عشرات الأشخاص.

والصومال بلد أنهكته المجاعات والحروب الأهلية لأكثر من عقدين، وقد اشتهرت مقديشو لسنوات بأنها واحدة من أكثر مدن العالم خطورة وكرمز لانعدام القانون الذي يمسك بتلابيب البلاد كلها. ولكن تحسنت الظروف تدريجياً. وقالت وزارة الخارجية الأميركية إنها تريد إعادة فتح سفارتها هناك ولكنها تنتظر حتى تنكسر شوكة الإرهابيين أكثر. وبهذا الصدد قالت ليندا توماس جرينفيلد نائبه مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية للجنة تابعة لمجلس الشيوخ الأميركي في أكتوبر: «نحن نحتاج في نهاية المطاف أن ننشئ وجوداً دبلوماسياً أميركياً دائماً في الصومال… وفي النهاية فالظروف الأمنية في الصومال هي التي ستملي علينا الوقت الذي يمكننا فيه إقامة وجود أكثر دواماً، ونحن ندرك أن الوقت غير ملائم لفعل هذا».

كريج ويتلوك

محلل سياسي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

 المصدر- جريدة الاتحاد

زر الذهاب إلى الأعلى