قبيلتي مظلومة(1)  

قبيلتي مظلومة(١) ( حكايات وأساطير من المظالم الإجتماعية الصومالية )

كثير من الناس لم يفهموا بعد المعضلة الصومالية التي لم يوجد لها حل جدري منذ سقوط الحكومة المركزية عام ١٩٩١م ، حتى الآن، مع توافر أسباب حلها وجمع فرقائها ، لأن الصوماليين يشتركون في الدين الإسلامي ، والمذهب العقدي السني ، والفقه الشافعي في الفروع ، واللغة الصومالية ، والجنس الواحد ، وتتداخل أنساب قبائلها ، وتتشابه سحنات وجوههم ، ثم إقامتهم في منطقة جغرافية محدودة لا تختلط بهم أمم وأجناس أخرى .

والمشكلة الصومالية ليست سياسية ولا دينية ولا عقدية ولا قَبَلية، كما يظنها كثير من الناس ، بل هي مشكلة مصلحية وأنانية وحب النفس والاستحواذ وسرقة البلد ، ولكنها تلبس بألبسة متعددة حسب الظروف والأحوال ، فمرة تُقدم بأنها سياسية ، وأخري تلبس لباس الدين والغيرة على المحرمات ، ومرة باسم الذود والدفاع عن حق البلد وحدوده المستباحة ، وأحيانا في إثبات وجود القَبِيلة ومكتسباتها ، وغير ذلك مما يطول ذكره .

وهناك من يعلق مشاكل البلد بأكمله عَلى كاهل القوى الأجنبية ومؤامراتها التي لم تتوقف يوما واحدا في تذكية نار العداوة بين الصوماليين ، ليصبح لقمة سائغة لأعدائه ، والسيطرة على ثرواته ، لأن البلد يحتوي في جنباته على خيرات كثيرة لم تُستغلَّ بعد.

وهو كلام وجيه له نصيب من الصحة ، ولكن ليست المشكلة فقط بالأجنبي الذي يكيد للبلد ، لأن عدوك لا تنتظر منه رحمة ولا شفقة، ولكن المصيبة تنحصر في هؤلاء الذين يتعاونون معه ، ويدلونه إلى مكامن الضعف في الأمة ، وينفذون أوامره ، ويعملون  نيابة عنه في تحقيق ما لم يستطع عمله هو ، فلولا هم لما استطاع الأجنبي  التدخل في شؤون البلد وتخريبه من الداخل .

وهذا الأسطر القادمة تحاول عرض وشرح التفكير الغالب السائد بين الشعب الصومالي، حيث تتصدر أساطير وحكايات المظالم الاجتماعية المفبركة وغير الصحيحة في تفكير المجتمع وأولوياته، كما تأخذ حيزا كبيرا في النقاش الدائر بين الصوماليين.

وهذه المظالم المزعومة في غالبيتها لا يتوفر  أي دليل مادي أومعنوي على وجودها أصلا ، كما لم تجد نصيبها من التمحيص والتحقيق ، بل هي أساطير يتوارثها الشعب من غير نكير ولا وجل ، وتدخل في باب التناصر الجاهلي المبني عَلى المغالبة حتى  قال قائلهم  :

لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانا .

وكل قبيلة تفسر هذه المظالم حسب رؤيتها وقناعتها، ولا تقبل أي مناقشة علمية أو عقلية أو واقعية في صحة دعواها، كما لا تحبذ أنصاف الحلول في لملمتها وعلاجها ، وكل ما يخالف مرئياتها تصنف في باب الاعتداء على حقوقها ومكتسباتها ، ولو كان هذا العدل الذي تنشده يؤدي  إلى ظلم الآخر وانتهاك حرماته .

وليس معنى ذلك بأن الشعب كله متورط في هذه الأكاذيب المصطنعة ، بل هي إشاعات وخرافات يبثها ويروجها أصحاب المصالح الخاصة بين الناس حتى تتحقق لهم مآربهم الخاصة ، ويعيش البلد تحت رحمتهم ، وينشغل الشعب في البحث عن لقمة العيش ، ولا يجدون فرصة في محاسبة من يديرون  دفة خراب البلد وسرقته.

ولأجل إثبات هذه المظالم الكاذبة،  تأسست دويلات وولايات قَبَلية صرفة ، كما دشنت محطات تلفزيونية وإذاعية وصحف ومواقع في الانترنت وصفحات في التواصل الاجتماعي ، ليس لها همُّ إلا ترويج وإشاعة مظالم قبيلته ومنطقته المزعومة .

كما وُظف في سبيل تحقيق مصالح غير شرعية وقانونية جيش جرّار من المثقفين والباحثين عن  المال والشهرة ممن لا يخجلون في اختلاق الأكاذيب وتزوير الحقائق من أجل استمالة الدهماء والغوغاء في صدق دعواهم في الدفاع عن مطالبهم المشروعة .

…… يتبع القسم الثاني من المقال

عبد الباسط شيخ إبراهيم

   

الدكتور عبد الباسط شيخ إبراهيم

ولد في دينسور في إقليم بأي ، ودرس الإبتدائية والاعدادية والثانوية في مدرسة 11 يناير في بيدوه، وحصل البكالوريوس والماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والدكتوراه من جامعة المدينة العالمية في ماليزيا تخصص التعليم والدعوة
زر الذهاب إلى الأعلى