مآسي الهجرة الأفريقية لن تتوقف برغم كثرة سقوط الضحايا

مقديشو – لازلو ترانكوفيتس – ربما لن يكون المهاجرون الذين لقوا حتفهم قبالة سواحل جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، آخر الضحايا الذين يدفعون حياتهم سعيا وراء حلم الحصول على حياة أفضل في أوروبا، حيث يقدر الخبراء أن هناك عشرات الالاف من الذين سيظلون يكررون محاولة الوصول إلى الفردوس الأوروبي المزعوم.

يؤكد البروفيسور محمد شيخ محمود، أستاذ العلوم السياسية في مقديشو أن “الكثير من الصوماليين يدركون أنهم يخاطرون بحياتهم ولكنهم لا يكفون عن المحاولة هربا من القتال اليومي المستمر في البلاد”. 
“قمت بدفع ألفي دولار لتسفير ابنائي الاثنين إلى ليبيا. والآن يحتاجان إلى 4000 آلاف دولار من أجل السفر إلى إيطاليا. أدرك مدى صعوبة ذلك ولكن العنف والبطالة لم يتركا لي حلولا أخرى”، جرى هذا الكلام على لسان عبد السلام عمر المواطن الصومالي، حيث تستعر نيران الحرب الأهلية في بلاده منذ سنوات، فضلا عن تفاقم ظاهرة الإرهاب الأصولي بسبب استفحال أمرة ميليشيات جماعة الشباب القريبة من القاعدة.وقد دفعت هذه الظروف المعقدة الملايين من المواطنين إلى الهروب من البلد الأفريقي نزوحا إلى قرى أخرى بعيدا عن مناطق النزاع أو لينتهي بهم الحال في معسكرات إيواء اللاجئين في كينيا. 
في العديد من دول جنوب الصحراء الأفريقية، يبيع المواطنين كل ما لديهم، لكي يتمكنوا من سداد التعريفة التي تفرضها مافيا تجارة البشر، التي تغرر بهم بدعوى تحقيق حلمهم بالوصول إلى الفردوس الأوروبي، بصرف النظر الظروف غير الانسانية التي يحملون بها ضحاياهم طوال الرحلة الشاقة. 

السيدة بارلين شادور /33 عاما/ صومالية أيضا، ولكنها مقيمة في مخيم للاجئين في كينيا، وتحلم بأن تصل إلى أوروبا، ومن أجل تحقيق ذلك فهي على استعداد للقيام بأي شيئ. وقد مرت شادور وهي أم لستة أطفال، بتجربة مريرة مع الهجرة غير الشرعية تحكي عنها قائلة “قضى شقيقاي نحبهما بالرغم من سداد 2500 دولار من أجل السفر إلى إيطاليا عبر ليبيا”. 
وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، يتراوح عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين خرجوا من أفريقيا والشرق الأوسط صوب أوروبا بحوالي 30 ألف شخص. في هذا السياق يوضح أشرف النور مسؤول شمال أفريقيا والشرق الأوسط بالمنظمة الدولية للهجرة أن “اللاجئين يخاطرون بحياتهم، بتعريض أنفسهم لجرائم الخطف والتعذيب والاغتصاب والحبس ولفقد أرواحهم”، موضحا أن هناك أكثر من 20 ألف شخص فقدوا أرواحهم أثناء محاولتهم الهجرة إلى بلد آخر سعيا في الوصول إلى حياة أفضل. 

المؤسف في الأمر أن مآسي المهاجرين الأفارقة المتكررة أمام سواحل دول شمال المتوسط، وخاصة جزيرة لامبيدوزا الإيطالية لا تشغل على الإطلاق حيزا مهما من وسائل الإعلام، فضلا عن أن الاتحاد الأفريقي الذي يتدخل عادة في العديد من القضايا السياسية لم يعلق على هذا الموضوع، وفي هذا السياق صرح أحد المحللين بأسى شديد لصحيفة “بيزنس توداي” أنه “على أفريقيا أن تطرح على نفسها أسئلة في غاية الصعوبة بالنسبة لمجتمعاتنا وحكوماتنا”. 

يفر الناس من نيران الحروب الأهلية، والأنظمة القمعية، أو لاستشعارهم بالاضطهاد أو القهر بسبب كونهم أقلية، مثلما هو حال بعض الجاليات المسيحية. تشير مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين في تقريرها الأخير إلى أن قارة أفريقيا يوجد بها 13 مليون لاجئ، بحسب الأرقام الرسمية، محذرة في الوقت نفسه أن الرقم يتجاوز ذلك بكثير على أرض الواقع، حيث أنه في زيمبابوي وحدها التي ترزح تحت وطأة حكم روبرت موجابي منذ نحو ثلاثة عقود، فر منها ما يقرب من مليوني لاجئ. 

جدير بالذكر أنه بالرغم من الأرقام والإحصائيات الإيجابية الصادرة مؤخرا عن صندوق النقد والبنك الدوليين، حول طفرة النمو الاقتصادي التي تعيشها القارة السمراء خلال العقد الأول من الألفية الجديدة، تفاقمت ظاهرة نزوح البشر تحت وطأة البؤس والفقر المدقع. ومع ذلك تؤكد تقارير المنظمات الدولية ان اقتصاد القارة لم يتوقف عن النمو، كما يحلو لخبراء السياسات المالية في قارة أوروبا التركيز على “الطفرة” التي يشهدها الاقتصاد الأفريقي، إلا أن العديد من الدول الأفريقية لا تزال مسجلة ضمن قوائم الدول الأكثر فقرا، كما توضح إحصائيات البنك الدولي أن نصف سكان افريقيا يعيشون تحت خط الفقر بمستوى دخل أقل من دولار وربع يوميا. 

وليس من المستغرب أن تنتشر ظاهرة الهجرة غير الشرعية في دول معروفة بازدهارها بسبب مصادر النفط لديها، مثل نيجيريا أو أثيوبيا، حيث لا يحصل المواطن العادي على شيئ تقريبا من عائدات النفط أو المواد الخام المصدرة للخارج، والتي تتقاسمها الشركات الدولية وطبقة الصفوة من ابناء البلاد، والتي انتشرت على أيديها ظاهرة تهريب الأموال إلى الخارج. 

بحسب رئيس جنوب أفريقيا السابق ثابو مبيكي، يقدر حجم رؤوس الأموال المهربة من أفريقيا سنويا بنحو 50 مليار دولار، وهي أموال تعتبر شعوب القارة السمراء في أمس الحاجة إليها لإصلاح بنيتها التحتية، ومؤسسات التعليم والصحة المتردية بها. 

هناك شواهد عديدة تشير إلى أن مئات الملايين من أبناء قارة أفريقيا ستستمر معاناتهم في المستقبل مع الفقر المدقع والبؤس الشديد. فعلى سبيل المثال لا يزال هامش انتاج القارة السمراء الصالح للتصدير ضئيل للغاية، كما أن التجارة البينية لا تزال ضعيفة، بينما يواصل الفساد ازدهاره وسوء الإدارة توغله في أوصال القارة، فالزراعة لا تزال بدائية وتفتقر لأساليب التكنولوجيا الحديثة في معظم الأنحاء، كما لا توجد إرادة سياسية لتغيير هذه الأوضاع. في الوقت نفسه تعتمد الكثير من الحكومات على سياسة استيراد المواد الغذائية والمساعدات الدولية، بالرغم من المساحات الشاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة والقطعان الضخمة من الأغنام والماشية وغيرها من المصادر التي يمكن أن توفر الغذاء الجيد لو أحسن استغلالها، ولكن يستمر مسلسل العجز لنفس العوامل سالفة الذكر. 

في الوقت نفسه، تفاقمت ظاهرة البطالة في العديد من المناطق بالقارة، وخاصة بين الشباب بسبب الانفجار السكاني الرهيب، والذي استغلته الجماعات المتطرفة أسوأ استغلال، خاصة في غرب وشرق أفريقيا، حيث تقوم بتجنيد أتباع لها عن طريق التمويل الذي تحصل عليه من بعض الدول العربية. الاعتداءات الإرهابية التي وقعت في السنوات الأخيرة في نيجيريا وكينيا، تعكس مدى هشاشة الوضع السياسي في أفريقيا، ولكن حتى استعادة الاستقرار لن توقف موجات الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا. 

يقول أشرف النور “بالرغم من تحقيق اقتصاديات بعض دول القارة ازدهارا ملموسا، لم تتوقف ظاهرة الهجرة عن التفاقم، لأنه بدلا من أن يساعد تغير الوضع على البقاء، ساهم في حصول البعض على موارد تسمح لهم بالدفع لمافيا تجارة البشر لمواصلة حلم العبور إلى الفردوس الأوروبي”.

نقلاعن صحيفة الهدهد الدولية

 
زر الذهاب إلى الأعلى