كان الخلاف متوقعا مادام سببه موجودا

 ليس غريبا ولامستبعدا في أن تتعدد وجهات النظر بين رئيس الجمهورية ، حسن شيخ محمود، ورئيس الوزراء المستقيل عبدي فارح شردون ساعد، لأن الإختلاف سنة حياتية، وصفة بشرية تلازم الإنسان، لاعيب ولافضيحة فيه، يحصل الخلاف بين جميع مكونات بني آدم في جميع مظاهر الحياة، يحدث بين الإبن وأبيه، وبين الزوجة وزوجها، وبين الأخوة والأخوات، وبين الأصدقاء والأحباب، والرئيس والمرؤوس وهكذا دواليك.

الإجتهاد مكفول ومفتوح من الجميع، وللكل، ولاداعي للقلق – والكمال لله سبحانه وتعالى – اما الانسان يختبف فى الأمور كلها ، سواء كانت دينية أو دنيوية، ولاحكر لأحد في ذلك، ولاكلام في غلق بابه أو حتى منعه مؤقتا، بل تمنع ذلك وترفضه متطلبات الحياة، التي تتجدد في كل يوم وليلة، وهو من مسلمات الشريعة الإسلامية، ما لم يكن هذا التعدد مجروحا، أو مطعونا في شرعيته .

وأرى الإختلاف فى الأمور عادي ووارد في كل لحظة ودقيقة، إن لم نتجاهل عن طبيعة البشر، ولم ننكر عن فكرة التعدد من أساسه، ولامعصوم فينا ولامنا منه ، وهو سمة من سمات العالم المعاصر، ونسمع من وقت لآخر، أن دولة بني فلان في قارة كذا فلتكن (أمريكا) مثلا دولة المؤسسات، وبالتالي لاانفراد فى أخذ القرارات فيها، يشارك في مناقشتها الجميع عن طريق المجالس المنتخبة والحكومة المنتخبة أيضا، والمجتمع المدني.

 والدول المتقدم تقيم بمعيار التعدد والإختلاف فى الآراء، بينما الدول، ذات الرأي الواحد، تقيم نفسها بشدة بطشها وتسلطها وعدم إهتمامها بالآخرين، والإختلاف فى الأمور فضيلة لايجيدها إلا المثقفون والمتقنون والماهرون، وأصحاب العقول السليمة فى الجسم السليم، إيمانا منهم لا أحد يستطيع أن يجزم أنه دائما على صواب وغيره على خطأ باستمرار، ولذلك فمن الضروري الإحترام بجميع الوجهات ولوكانت ضدنا.

 والمسألة تجد قوتها وترحيبها فى الشارع بقدر مشاركتها وإتاحة الفرصة لها، وتناول العقول فيها، ليست مسألة قرأ بأعين مختلفة، ونوقش بألسنة عديدة كمسألة منحت كهبة، مادام الخلاف في حدود الشريعة، وفي حدود القانون، ومادام الخلاف لايؤدي إلى الكراهية والإنقسام بين أبناء وطن وشعب واحد.

ولايوجد شيء متفق، أو مجمع عليه فى الحياة إلا كتاب الله وسنة رسوله، وماسوى هذين المصدرين الجليلين فى الإسلام، فهو مختلف بين بنى البشر، يقبل الصدق والكذب، كل في مجاله، تجد الإختلاف بين الفقهاء فى الشريعية لإسلامية، والتاريخ، وفى القانون، والسياسة، والإقتصاد، والعلوم الطبيعية ، وفي كل مجالات الحياة.

والتعدد مصلحة الجميع، مصلحة النظام الحاكم عندما يظهر الخلاف بشكل معارض للنظام القائم، ويعرف النظام مستقبله السياسي من خلال المظاهرات والثورات والندوات والنشرات، ووسائل الإعلام المختلفة والإستفتاءات، التي يقودها المعارضون، كما يعد الخلاف مصلحة للمعارضين، لكونه رقيبا وضاغطا ومستفيدا من أخطاء النظام ليظهره للناس ثم ليستغلها.

ولاتقتصر المصلحة عند هذا الحد، بل يتعدى أثرها إلى اللغة عندما يعبر الناس شعورهم تجاه أمرما يحدث في بلدهم بكل حرية، بينما تفقد اللغة كثيرا من المفردات عند القمع والتسلط، ومصلحة للإقتصاد لكونه يفتح للناس أن يتنافسوا فيه ويختلفوا في موارده  وتنميته، وهكذا يقال فى الثقافة والعلوم،  ولذا أرى الإختلاف رحمة قبل أن يكون عذابا.

نحن  في هذه الأيام بصدد خلاف جديد بين رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، وهذا الخلاف لم يكن جديدا فى تاريخ الصومال الحديث، بل سبقته في ذلك الشأن عشرات من الخلافات، تنوعت أفرادها، بين الحكومة وأعضاء البرلمان، بين أفراد الحكومة، وأخيرا بين أعضاء البرلمان، هذا منذ سقوط الحكومة المركزية  بقيادة السيد الجنرال (محمد سياد بري).

ولذا أرى لم يكن هذا الخلاف مستغربا في وسط الشعب الصومالي، بل كان متوقعا ومنتظرا، لكنه مستغرب بتأخره قليلا، كما تعودت الحكومات السابقة المتعاقبة، كيف يكون غريبا في أن يحصل في دولة لم تعرف في تاريخها الحديث بالإستقرار والإستقلال، لكن الغريب أيضا في ألانصل إلى الحل لهذه الأزمة، وأن لانهتدي إلى أسباب هذا الخلاف، مع أننا نؤمن أن هناك أسبابا تدفع وتدعم في تكرارهذا الخلاف على التفصيل التالي :

1-  أطلاق التهم جزافا :

بعد وصول خبر الخلاف بين المسؤولين إلى سمعي حاولت أن أعرف عن أسباب الخلاف بين السيد الرئيس، والسيد رئيس الوزراء، ولجأت إلى المواقع والإذاعات، والفيسبوك، إلا أنني لاحظت من الصوماليين فريقين، مؤيد للرئيس، ومعارض لرئيس الوزراء، والعكس صحيح، معارض للرئيس ومؤيد لرئيس الوزراء، وبدون حجج وبراهين قاطعة.

كل يريد أن يطلق مايحبه ويرضاه، ويبحث لهذه الرغبة مبررات ويتكلم كما يحب، وليس هذا لمصلحة الدولة، لأن الخاسر في هذه التجاذبات هو البلد والشعب والأمهات والأطفال، ولذا أردت أن أعلن إن كان هناك تطاول من أحد على آخر، فليس هذا محله فى الإذاعات ولافى المواقع ، بل محله القانون والدستور والبرلمان، بل يكثر الضجة والإتهام المتبادل التي يطلق كل فريق لمساندة فريقه.

صحيح محله فى الإذاعات والمواقع، لكن بطريقة مهذبة ومتوازنة وموضوعية بحجج موثقة يستفيد منها المجتمع، ليعرف ما يجري في بلده من وراء الكواليس، وإلا تفقد هذه الإتهامات المتبادلة من الطرفين بالمصداقية، بل لاتتجاوز تهم على الهواء، بدون دليل، وكلام مرسل على أساس 4.5 الذي نراه  معضلة فى الصومال .

عدم التوصل إلى الأسباب :

هذه هي المصيبة الثانية، التي جذبت انتباه الكاتب، لماذا الإهتداء إلى المنابع التي تنبع وتخرج منها الخلافات لكي نسدها ونقفل ونجفف منابعها، مع أننا نواجهها منذ عشرين سنة، وعلى وطأتها تأخرت الحكومات عن تنفيذ مآرب ناخبيها، كيف لاتتأخر عن تنفذ مطالب الشعب وهي في ضيافة دول الجوار للوصول إلى حل يرضي الطرفين .

 السؤال هنا ما مرد هذا الخلاف؟ هل يعود إلى؟ :-

1- أزمة سياسية : يرجح بعض المحللين الصوماليين، أن الخلاف بين السلطات الثلاثة فى الصومال سياسي وليس دستوري، وما هو الا انعكاس للتجاذبات القبلية التي  تظهر بين السلطات العامة في كل لحظة، لان كل سياسي  (أي رؤساء السلطات الثلاث ) يمثل عشيرته ولا يقبل المساس بمصالحها في أي ظروف وتحت أي مبرر كان ، وبالتالي اذا حاول أي طرف منهم الإقتراب من مصالح القبيلة أو (معادلة 4.5) عندها تقوم القبيلة لتحمي ابنها.

2- أزمة دستورية : يعتقد البعض أن الخلاف بين المسؤولين دستوري، ونشأ عن عدم الفصل بين السلطات وعدم توزيع الصلاحيات بين المسؤولين، وعلى هذا الأساس تحصل الإحتكاكات والإختلافات، وهذا من وظيفة الدستور، لأن الدستور هو الذي ينظم السلطات ويوزع الإختصاصات.

3- غياب الخبرة في ممارسة العمل الجماعي : كما يقول الرئيس الوزراء الأسبق السيد (على محمد جيدي) عبر الإذاعة المحلية الصومالية (يونيفيرسال  Universal) أن الأزمة ترجع إلى فكرة القفز على أسوار القانون التي ورثناها من النظام الدكتانوري الراحل بقيادة الجنرال (محمد سياد بري) لذا كل رئيس يأتي بعد هذا الرئيس يريد أن ينفرد بالسلطات بدون قصد منه ، بل من الموروثات من النظام الراحل.

4- اخفاق رئيس الوزراء في تنفيذ خطة الرئيس الإنتخابية: يطلق مجموعة  أخرى أن الأزمة تعود إلى إخفاق الرئيس الوزراء من تنفيذ خطة رئيس الجمهورية الإنتخابية التي تتكون من 6 نقاط، على أساسها اختير رئيس الوزراء  وبالتالي الإخفاق في هذه الخطة تحتم الرئيس في أن براجع مساعديه في تنفيذ الخطة قبل فوات الأوان ، ومن يوم قام الرئيس بإعلان حقه الدستوري قامت الدنيا ولم تقم.

رأي الكاتب : أنني أرى أن الأسباب تعود إلى جميع ما طرح من أسباب، وبوجود واحدة من هذه الأسباب تكون كافيا لتفجير وضع متأزم وانشقاق داخلي بين المسؤولين، فضلا عن مجموعها، ولذا أرجو من السلطة الحالية أن تقود الأمة إلى نظام دولة  من خلاله تخرج الشعب من نفق القبلية إلى نور النظام التعددي الرشيد الحر المبني بالمساواة، وإلا فليعلنوا للشعب أنهم فشلوا في قيادة الأمة .

أنني ضد التطاول على الرموز الوطنية، سواء كانوا فى السلطة، أو في المعارضة، ونقبل النقد البناء المباح الهادف، ونرفض الخلاف الشخصي يستخدم فى السياسة، ونرحب تحليل الأزمة الراهنة بموضوعية وبحيادية، وإن كنت من مؤيدي بني فلان فعليك  أن غيرك من مؤيدي بني فلان فعليك أن تعبر رأيك بحرية مع احترام آراء الآخرين.

أخيرا : أنني لم ولن أزعم معالجة الخلافات السياسية، وكما أنني لن أدعي بالإحاطة بجميع الأسباب الخلافية بين أركان الدولة، بل محاولة مني لرصد آراء المواطنين وأفكارهم ، وبالتالي تنظيمها وتنسيقها لتخرج إلى النور.

 

زر الذهاب إلى الأعلى