استعدوا لمعركة صون السلام

من قبالة السواحل الصومالية، يثبت رجال ونساء من أنحاء أوروبا المختلفة صحة المثل القائل إن غياب الأخبار قد يكون خبراً ساراً. كانت قصص القرصنة تتصدر عناوين الأخبار حول العالم. لكنها ما عادت اليوم. ويعود ذلك إلى تراجع الاعتداءات بنحو 95 في المئة السنة الماضية.
لم يحدث ذلك من باب المصادفة. تعمل الفرقاطات الوطنية ضمن إطار عملية “أتلانتا” التابعة للاتحاد الأوروبي بغية حماية خطوط الشحن الضرورية لتجارة أوروبا مع سائر دول العالم ولإيصال المساعدات الغذائية الحيوية إلى الصومال. ونسعى أيضاً إلى معالجة أساس المشكلة، لا عوارضها فحسب. فيدرب الاتحاد الأوروبي جيش الصومال، داعماً إعادة بناء مؤسساتها المنهارة. كذلك يمدها الاتحاد الأوروبي بمساعدة تنموية بهدف إرساء أسس الازدهار الطويل الأمد.
تشكل الصومال مثالاً لحقيقة أوسع. تُعتبر سياسة أمنية ودفاعية فاعلة ومتناسقة ضرورة ملحة في أوروبا، لا خطوة اختيارية. فعلينا امتلاك القدرة على تفادي الأزمات وحفظ السلام، إذا رغبنا في بناء نظام عالمي يعمه السلام.
لا شك في أن حلف شمال الأطلسي شكل أحد أعمدة أمن أوروبا طوال ستين سنة. لكن الأوقات تبدلت. ففي مطلع هذه السنة، غادرت الدبابة الأميركية الأخيرة قارتنا. لذلك بات من الضروري والمناسب اليوم أن تبذل أوروبا مجهودا أكبر. ولهذا السبب، نجح الاتحاد الأوروبي منذ عام 2003 في الحفاظ على السلام في البوسنة والهرسك، وتدريب رجال الشرطة في فلسطين وأفغانستان، ومحاربة القرصنة في المحيط الهندي.
علينا اليوم بذل مجهود أكبر. فإذا أرادت أوروبا البقاء لاعباً عالمياً خلال القرن الحادي والعشرين، فسيحتاج الأوروبيون إلى التعاون معاً بشكل أكثر تقارباً. يقوم المبدأ الرئيس وراء سياسة دفاعية أوروبية أقوى على ثلاثة محاور: “سياسي”، يضمن أن الاتحاد الأوروبي على قدر طموحاته العالمية. و”عملاني”، يمنح أوروبا القدرة على التحرك على الأرض. و”اقتصادي”، يؤمن الوظائف ويعزز الابتكار في أزمنة التقشف.
صحيح أن أوروبا تعيش في سلام منذ الحرب العالمية الثانية، إلا أننا لا نستطيع استبعاد نشوب الحروب والصراعات. ونواجه اليوم مخاطر ملحة، سواء بسبب الحرب الأهلية في سورية أو نتيجة الاعتداءات عبر الإنترنت على مطاراتنا وشبكات الطاقة في أوروبا. كذلك يشكل الفقر والتوتر الاجتماعي والإثني حافزاً مهماً وراء الصراعات.
إذاً، نحتاج إلى مقاربة شاملة إلى السياسة الخارجية تعتمد على المجموعة الواسعة من الأدوات التي يملكها الاتحاد الأوروبي في ترسانته. تجمع هذه المقاربة بين مهماتنا المدنية والعسكرية من جهة والدبلوماسية والحوار من جهة أخرى، فضلا عن سياسة تنمية تعالج عوارض الصراع وأسبابه، كما نرى في الصومال اليوم.
علاوة على ذلك، لا يمكن التصدي للإرهاب، والتهديدات عبر الإنترنت، والقرصنة من دون التكنولوجيا العصرية وقوى محترفة عالية التجهيز. ولا شك في أن التعاون الأوثق في مجال الدفاع سيتيح لأوروبا التحرك بسرعة أكبر. فعندما حلقت الطائرات الحربية الأوروبية فوق ليبيا عام 2011، اضطرت ناقلات الوقود الجوية الأميركية إلى إعادة تزويدها بالوقود في 80 في المئة من الحالات. إذاً، ندرك القدرات التي تفتقر إليها أوروبا، ونعي أن علينا الاستثمار لنطورها.
إذا زُودت الجيوش الأوروبية بناقلات وقود جوية حديثة وقدرات على التصدي لأي هجمات عبر الإنترنت، تصبح أيضاً شريكاً لحلف شمال الأطلسي يُعتمد عليه بحق. فما يدعوه الاتحاد الأوروبي “التجميع والمشاركة” وما يدعوه حلف شمال الأطلسي “الدفاع الذكي” يكمل أحدهما الآخر. لكن أسواق الدفاع لاتزال مجزأة جداً، ولاتزال القرارات تُتخذ في 28 إطاراً وطنياً.
نتيجة لذلك، تُشترى قدرات جديدة على أسس وطنية بحتة، مما يعطي غالباً الأولوية للصناعات الوطنية ويؤدي إلى التكرار في بعض المجالات وغياب القدرة في مجالات أخرى. ولكن إذا نجحت دول الاتحاد الأوروبي في “التجميع والمشاركة” بفاعلية، تستطيع عندئذٍ استعمال المئتي مليار دولار التي تخصصها سنوياً للدفاع على نحو أفضل.
من المنافي للمنطق أن نتوقع في أوقات التقشف ميزانيات دفاع أكبر. لكننا نحتاج، عوضاً عن ذلك، إلى حلول عملية: المزيد من التعاون بين حكوماتنا من خلال التجميع والمشاركة والتخصيص، والمزيد من التنسيق في عملية التخطيط العسكري بين الدول الأعضاء وبين الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، ودمج صناعات الدفاع الأوروبية.
يتطلب التعاون في مجال الدفاع، الذي يُعتبر من أسس السيادة الوطنية، الثقة بين الحكومات وثقة مواطنينا على حد سواء. لذلك لا بد من أن نشدد على ضرورة صون الوظائف وتعزيز الازدهار الاقتصادي.
تشمل التحديات المباشرة التي نواجهها تمكين قواتنا من التجاوب بسرعة أكبر مع الأزمات. ونستطيع ذلك من خلال التعاون الأوثق في مجال الدفاع. تُظهر الأبحاث التي أجرتها وكالة الدفاع الأوروبية والمفوضية الأوروبية أن هذا التعاون قد يوفر نحو 130 مليون يورو سنوياً. توظف شركات الدفاع الأوروبية، مثل EDAS أو BAE، نحو 400 ألف شخص، فضلاً عن ضعف هذا العدد يعملون في سلسلة القيمة بأكملها، التي تشمل مجموعة كبيرة من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
قطعت أوروبا شوطاً كبيراً، متحولة إلى مزود للأمن بعد أن كانت مجرد مستهلك له. ويوجه اجتماع قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل أخيراً إشارة واضحة إلى أن الدفاع يحتل اليوم أعلى المراتب في الأجندة الأوروبية. تمحورت مناقشاتنا حول ثلاثة مواضيع: أولاً، أولويات تنمية قدراتنا المستقبلية، ثانياً، بناء صناعة دفاعية قادرة على المنافسة والابتكار، وثالثاً، استعداد قواتنا وتوافرها.
لا يعني التشديد الجديد على الدفاع أن الاتحاد الأوروبي تخلى عن هويته كمشروع سلام ليحقق طموحات أكثر عدائية. على العكس، تدرك أوروبا أن عليها حماية قيمها وتعزيزها في محيطها وخارجه، إذا كانت تريد أن تظل أمينة لطبيعتها كمشروع سلام.

* الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائبة رئيس المفوضية الأوروبية.

زر الذهاب إلى الأعلى