صراع العمالقة في الميثولوجيا الصومالية

تعتبر الميثولوجيا الصومالية غنية  بالشخصيات الاسطورية التي كانت تعكس فهم الناس لقوى الطبيعة من حولهم قبل وصول الأديان السماوية لهذا الشعب، فالصوماليين القدماء لديهم أساطيرهم تماماً مثل الإغريق و المصريين القدماء. بعض هذه الأساطير ما تزال حية في أذهان الصوماليين و بقيت معهم حتى بعد دخول الإسلام و بعض الأساطير الأخرى اندثرت أو أوشكت و لم يتبقى منها سوى بعض الشواهد و الآثار و الألفاظ.

بعض هذه الألفاظ التي بقيت كالرب (Eebo) الذي كان الصوماليون يعتقدون أنه يعيش في الجنة و كان مرادفا لإله السماء عند الكوشيين (واق) الذي بقي اسمه مخلداً في أسماء بعض المدن و القرى مثل (عابد واق) و (عيل واق) ، و كذا لفظ أيانلي (Ayaanle) و كان الصوماليون يعتبرونها الأرواح الطيبة التي كانت تقوم بدور الوسيط بين الرب و البشر تماما مثل الملائكة و كان يعتقد أنها تجلب الحظ و البركة. و عندما كان يصلي البدو للنزول المطر كان يرجعون الفضل إلى برواقو (Barwaaqo) إله المطر.

أما حور(Huur) فكان رسول الموت و كان يقال بأنه يتمثل بهيئة طائر كبير ، و هو مرادف لحورس عند المصريين القدماء. و هنالك ندار (Nidar) الذي يعاقب أؤلئك المخطئين و المجرمين بحق الآخرين و هو نصير المظلومين و بقيت اسطورة ندار حية في المثل الصومالي (Nidar Ba Ku Heli) بمعنى سيجدك ندار و يعاقبك و تقال لمن أخطأ بحق الضعفاء.

 الأساطير لا تنتهي هنا فمن الملكة أرويلو ملكة النساء الشهيرة إلى ويل وال و بعر بعير و صاحبة الأذن الطويلة (Dhegdheer ) التي تحب أكل لحم الأطفال الصغار، هنالك أيضاً الأسطورة (Qori ismaris) الذي كان بإمكانه التحول إلى (الرجل- الضبع) بمجرد أن يفرك نفسه بعصى سحرية عند حلول الظلام و يجول البراري بحثا عن ضحايا لإفتراسهم و بتكرار نفس العملية السحرية يعود رجلاً طبيعاً قبل حلول الفجر.

 اليوم سأتحدث عن قصة اسطورتين في الميثولوجيا الصومالية لعملاقين ضخمين كان كل منهما يحكم نصف أرض الصوماليين في الزمان الغابر ، في البداية لم يكن لديهما علم بوجود الآخر و عاشا بشكل منفصل تماماً. العملاق الأول اسمه حابد ابن كماس (Xabbed ina-Kamas) كان حاكماً شريراً و قاسياً ، و كان يستخدمه قوته و ضخامته في وضع صخور كبيرة لسد فتحات الآبار في الأرض التي كانت تحت حكمه. 

و حينما كان يأتي البدو للآبار طلباً للماء كان يطالبهم بضريبة أن يدفعوا له أسمن جمل لديهم حتى يسمح لهم بشرب الماء و سقي قطعان الماشية. كان يأكل الجمل لوحده في جلسة واحدة فلا يتبقى من الجمل سوى عظامه ، و مع مرور الوقت لم يعد لدى الناس القدرة في دفع المزيد من الإبل لسد طمعه و شهيته فلاذ الكثير منهم بالفرار و هاجروا إلى النصف الآخر من أرض الصوماليين.

أما العملاق الآخر الذي كان يحكم النصف الآخر و اسمه برير ابن برقو (Biriir ina-Barqo) فكان حاكماً عادلاً طيباً ، و كان يعيش في كهف يسمى كهف الطيور (Shimbiraale ) و كان مشهوراً بارتدائه خاتماً ثقيلاً لا يستطيع أي رجل حمله. و حينما أخبره الفارون من أرض العملاق حابد ابن كماس بأفعاله و ظلمه للناس استشاظ غضباً وطلب منهم أن يأخذوه لهذا الحاكم الظالم و بالفعل مضى مع الرعاة الفاريين لمواجهة العملاق الظالم في أرضه.

 العملاق حابد ابن كماس كعادته كان يهم بأكل أضخم و أسمن جمل حينما وصل إليه العملاق برير ابن برقو و من معه ، حينها أشار العملاق حابد ابن كماس إلى الجمل السمين أمامه قائلاً ” هذا الجمل السمين يرضيني و يشبعني” ، فرد عليه العملاق برير ابن برقو صارخاً بصوت كزئير الأسد “و أنا لا أرضى إلا بموتك”.

حدثت معركة كبيرة و رهيبة بين العملاقين هزت كل أركان الأرض الأربعة و تسببت في رياح عاتية من قوة ضرباتهم ، في النهاية أمسك العملاق برير ابن برقو بحلق العملاق حابد ابن كماس و بدأ بخنقه. و رغم توسلات العملاق الشرير الطالب للرحمة ، قرر العملاق برير أن حابد لا يستحق أي رحمة و قتله على الفور.

و بعد مقتل العملاق الشرير قام العملاق برير بفتح الآبار المغلقة و أزال الصخور التي وضعها العملاق الشرير، بعدها عاد الناس إلى أرضهم و مراعيهم و أما العملاق برير فكان محبوباً من الشعب و حكم جميع الأرض الصومالية بعد أن توحدت تحت حكمه و عاش الناس بعدها فترة طويلة في سلام و أمان. 

 المصدر- مدونة تأملات عابر سبيل 

زر الذهاب إلى الأعلى