لماذا يستقيل رئيس الوزراء ؟

اندهش كثيرون حين برز الخلاف بين الرئيس حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء عبدي شردون الي السطح، واتسعت حدقات أعينهم. فخلاف الرجلين في هذه المرحلة لم يكن بالنسبة لهؤلاء أمرا مبررا، وجاء أسرع من المتوقع. ومثار الاندهاش هو أيضا، نكوص المسؤولين عن تعهداتهما. كانت قبل أيام قلائل، حين احتفل رئيس الوزراء بمناسبة مرور عام على تشكيل حكومته، وذكر ضمن أهم انجازاته، عدم نشوء خلافات بين القيادة العليا للدولة ، بل أكد على أن النظام الحالي سيكمل فترة ولايته المنتهية عام 2016 بأجواء من الوئام والوفاق، وأنهم قادرون على حل ما يطرأ من اختلاف في الرؤى داخل الدوائر الرسمية، ووفق الأطر القانونية، بعيدا عن المناكفات السياسية، وذلك للحيلولة دون وقوع أزمة سياسية، تهدد الحكومة أو كيان النظام برمته .

وللأسف كل ذلك يبدو غير ممكن. ووفقا لما ذكره أحد النواب المقربين من رئيس الوزراء، هناك أزمة سياسية حقيقية بين الرئيس ورئيس الوزراء، تكاد تبلغ لحد القطيعة. وهو الأمر الذي أدى الي مطالبة الرئيس حسن محمود بإستقالة رئيس الوزراء ، بهدوء قبل احالة ملفه الي البرلمان، لكن الأخير رفض الطلب، وتمسك بالشرعية الدستورية، اذن بات الأمر مكشوفا، ومن شابه اباه ما ظلم… وهكذا ليلى تاتي بالعجب. لم يكن القوم خال من عدوى المرض الذي أهلك من قبلهم. وما قوم شريف منهم ببعيد.

ولكن يبقى السؤال، لماذا طالب الرئيس باستقالة رئيس الحكومة؟.

هناك ثلاثة احتمالات:

 الاحتمال الأول يقول، إن الخلاف بين الرئيس ورئيس الوزراء، ليس وليد الصدفة، ومنذ شهور، كان  يتاجج في صمت تحت الرماد، وأن له علاقة بتفسير مفهوم الشراكة السياسية في الحكم. وأصحاب هذا الرأي يقولون إن رئيس الوزراء يريد أن يتملص من تعهداته، ويتنصل من كل الإلتزامات التي تم بموجبها تعيينه لهذا المنصب، وكان من أهم شروط التعين، أن تكون سلطة رئيس الوزراء محدودة وأن يكون الرئيس صاحب القرار فيما يتعلق بتشكيل الحكومة واختيار الوزراء بالاضافة الي القضايا ذات العلاقة بشؤون المالية، وذلك تفاديا لنشوء أزمات دستورية بين الجانبين.

لم يكن هذا الالتزام أمرا مقبولا لدى رئيس الوزراء ساعد شردون غير أنه كان ينتظر اللحظة المناسة، للالتفات حول لائحة إلتزاماته.  حينما ترسخت جذوره في تراب مقديشو، وتعرف طبيعة البيئة التي يعمل فيها، وتحالف مع قوى فاعلة في السياسة الصومالية، تضم سياسين بارزين وزعماء عشائر ورجال اعمال، بدأ يتمرد على أطروحات الرئيس، وكان من بين آخر هذه الأطروحات، التي رفضها رئيس الوزراء، ضم شخصيات مقربين من الرئيس الي التشكيلة الجديدة المرتقبة اعلانها قريبا، وكانت تلك، القشة التي قصمت ظهر البعير.

الاحتمال الثاني، يقول إن الرئيس حسن شيخ يتعرض لضغوط من قبل المجتمع الدولي، الذي يشترط إنهاء خلافات الحكومة مع ولاية بونت لاند، مقابل حصولها على الحزمة الأولي من المساعدات المالية التي تعهد بها المانحون في بروكسل منتصف شهر سيتمبر الماضي. وكان من أهم مطالب المجتمع الدولي، تغيير الحكومة الحالية، وتشكيل آخرى جديدة، يرئسها شخص من عشائر بونت لاند أو المقربين منها أو المتحالفين معها، لأن هذه  القوى تعتقد أن وحدة أراضى الصومال تكون على المحك اذا لم تستجب الحكومة لهذه المطلب وخصوصا بعد إعلان بونت لاند مؤخرا عن تعليق تعاونها مع حكومة المركزية في مقديشيو. و جاء هذا الإعلان في بيان ألقاه عبد الرحمن فرولى رئيس حكومة بونت لاند في ذكرى مرور 15 عاما على تأسيس دولة بونت لاند فى عام 1998..

لذلك رضخ الرئيس لهذه الضغوط، وطلب رئيس الوزراء بالاستقالة والخروج من الساحة بهدوء تام، ودون ضجة لكن الأخير رفض الطلب وأعلن استعداده لخوض معركة دستورية طويلة.

أما الاحتمال الثالث، يقول إن المسألة أمر عادي، لكن الصحافة تتعمد تضخيمها واعطائها أكثر مما تستحق. بالنسبة لأصحاب هذه الرأي، فالقضية لا تعدو كونها أحد الأمور البروتكولية والاصلاحات الروتينية التي يجريها الرئيس بين الحين والآخر. فالرئيس هو المسؤول عن محاسبة الحكومة، وتقييم أدائها فاذا رأي أنها فشلت في المهام المنوطة بها وينبغي تغيير رئيس الوزراء يفعل ذلك، والدستور، يضمن له تلك الحقوق، وبالتالي الأمر بسيط ولا داعي للمزايدة واثارة الفتن، وجر البلاد الي صراعات جديدة، تعيدنا الي الماضي الأليم.

فالمستشار السياسي للرئيس عبدالرحمن عبدالشكور ذكر هذا الاحتمال، في وقت سابق،  وقال في حوار مع تلفزيون الصومال ردا على سؤال حول الخلافات بين قيادة الحكومة  ” لا أعرف الخلافات التي تتحدث عنها، لكن… يمكن أن يقرر البرلمان استدعاء رئيس الوزراء للمساءلة، اذا لم يرض أداء الحكومة…وهذا من صميم عمل البرلمان، وما ينتج عن ذلك فهو أمر طبيعي، ولا يعد خلاف ..”

واوضح عبدالرحمن عبد الشكور أن استدعاء الحكومة ومحاسبة رئيس الوزراء من وجبات البرلمان والرئيس، ولا ينبغي أن نسميها عقبة  أو خلافا. وأضاف ” فاذاكان الخلاف بشأن ازمة كسمايو أو مسألة دستورية، فهذا يمكن تسميته بالخلاف، لكن تقيم أداء رئيس الوزراء، سواء من قبل الرئيس أو البرلمان، لا ينبغي أن نراه خلافات بين قيادات الدولة. فهذا أمر بروتوكولي”  

وهناك نظريات آخرى، لا أراها، بطبيعة الحال- مع احترامي لأصحابها- انها جديرة بالأخذ على محمل الجد؛ لأنها تجافي الصواب، ولا تستند الي حقائق علمية، وبالتالي لا تحتاج الي دلائل لدحضها، مثل  النظرية التي تلقي اللوم على المسؤولين في الحكومة المنحدرين من العشائر القاطنة في مقديشو، وتتهمهم بعدم الأهلية لإدارة البلاد. ويقول أصحاب هذه النظرية: إن الخلافات المتكرة بين القيادات العليا للحكومة المركزية في مقديشو دليل على أنهم غير جذيرين بالحكم، وأن الصراع على الأوهام، واثارة الخلافات والنزاعات هي الميزة الأساسية لهؤلاء المسؤولين، لإخفاء اخفاقاتهم وفشلهم في إدارة البلاد.

 

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى