خريطة الإدارات الاقليمية المتوقعة في جنوب الصومال

تتزايد هذه الأيام الأصوات المطالبة باقرار النظام الفيدرالي في الصومال، والاسراع في اتخاذ جميع الخطوات الضرورية بخصوص هذا الموضوع قبل فوات الأوان. وتقول تلك الأصوات، لا خيار أمام الحكومة في هذا المرحلة سوى الفيدرالية، أما الخيار الثاني هو، الطريق الي المجهول.

لكن المسار الفيدرالي على ما يبدو ليس مفروشا بالورود. فهناك تحديات كبيرة، تجعل هذا المسار أمرا  شبه مستحيل ما لم تتخذ الحكومة قرارات عاجلة وحاسمة. ويمثل أبرز تلك التحديات تيار سياسي داخل الحكومة، تسلطن على الحكم منذ عام 1991، ويتربع على عرش الإقتصاد في البلاد.

ما أن يخطو الرئيس حسن شيخ محمود، خطوة نحو الإتجاه الصحيح- لاثبات جديته في ارساء قواعد الفيدرالية الجاذبة- الا وتجد هذا التيار يقوم باعمال معاكسة تمس صميم النظام الفيدرالي.

وعلى سبيل الميثال لا الحصر، حين نجحت الحكومة في ابرام اتفاقية شراكة مع أحمد مذوبي رئيس إدارة كسمايو، منتصف العام الحالي، كان الجميع يترقب أن تمضي الحكومة قدما نحو هذا المسار، وأن توقع اتفاقيات مماثلة مع ادارات محلية أخرى، لكن للأسف لم يحدث ذلك، بل حدث العكس. قامت أطراف من الحكومة باشعال فتن وصراعات سياسية في اقليمي شبيلي الوسطى، وشبلي السفلى، بهدف اسقاط الفدرالية، ووأدها في المهد.

فهذه الأطراف لا تؤمن بالفيدرالية بقدر ما تكفر بها. تخاف على سلطتها وسطوتها إذا ما تم اقرار النظام الفيدرالي، لذلك تلجأ دائما الي وضع العصي في دواليب الحكومة، كى لا تلتقط أنفاسها وتتمكن من شق طريقها نحو بناء دولة فيدرالية ديمقراطية.

وإذا نظرنا الخريطة السياسية في البلاد بعمق نكتشف مدى خطورة تلك الجهات على المشروع الفيدرالي في البلاد.

ووفقا لتلك الخريطة يمكن أن نقسم البلاد الي أربعة أجزاء:

1- المناطق الشمالية والشرقية، فهي أكثر المناطق الصومالية استقرارا، وذلك بسبب اختيارها العيش تحث ظلال الفيدرالية. هذه الأجزاء لا تحتاج اليوم من الحكومة سوى الدعم وأن تبتعد كل ما من شأنه أن يوتر العلاقة بين الجانبين لينطلق قطار البلاد الي بر الأمان، لكن أطراف سياسية داخل الحكومة،  تأبى ذلك ، وتصر على عرقلة مسيرة الديمقراطية والتنمية في تلك المناطق.

2- المناطق الأوسطي، فهذه المناطق تتمتع بقدر من الاستقرار السياسي المبني على الاعتراف المتبادل الذي جاء عقب صراعات دموية، أيقن من خلالها كل طرف استحالة التوافق على نظام وأحد، وبالتالي شكلت كل عشيرة في تلك الاقاليم  كيانا خاصا لها يحظي باحترام واعتراف جميع الأطراف السياسية بما فيها الحكومة المركزية.

3- العاصمة مقديشو: تصنف ضمن أخطر المدن في العالم،أصابها داء عضال لا يرجى برؤه قريبا. وذلك لسببين، الأول: كونها عاصمة البلاد التي يريد كل فريق أن يؤثر عليها ويرى بصمته فيها. والسبب الثاني، ضعف الإرادة، وغياب الرغبة الصادقة عند أهلها.

ويتسائل البعض علام يمنع ضبط أمن العاصمة مقديشو التي لا تتعدى مساحتها 20 كلم2 في ظل وجود قوات أجنبية تساعد الحكومة في هذا الشأن إذا لم يكن هناك إرادة سياسية تمنع حدوث أي انفراج للأزمة السياسية في البلاد مع سبق الإصرار والترصد.

4- المناطق الجنوبية والغربية، تشكو تلك المناطق التي تعتبر من أغنى المناطق في الصومال من عدوى العاصمة مقديشو. فهناك ثلاثة أقطاب تتصارع على حكمها. القطب الأول يتزعمه رئيس ادارة جوبا المؤقتة، الشيخ  أحمد إسلان الذي يعتقد بأن له الحق في الحصول على نصيب الأسد من إدارة تلك المناطق، فهو متمسك بشرعية (الأغلبية السكانية) في هذه الاقاليم، ويسعى الي ارغام الآخرين بالقبول على الأمر الواقع ، معتبرا نفسه الوحيد، صاحب السيادة على مناطق جوبا السفلي وجوبا الوسطى وجذو. وهذا الإتجاه لاشك أنه يجانب الصوب، ويعيد فتح جروح قديمة لم تندمل بعد.

في الطرف الآخر، يقف زعماء من المناطق الوسطى في البلاد، يعتبرون أنفسهم وكلاء الله على الصومال ” تجدهم في كل أقاليم البلاد تقريبا، وتحارب مليشياتهم في كل الجبهات، ليس من السهل بالنسبة لهؤلاء أن يكونوا خارج اللعبة، ولسان حالهم يقول: مهما تكن التضحيات لا بد من حصد جميع النقاط، وإن كان ذلك على حساب وحدة البلاد، المهم أن تكون لنا الكلمة الأخيرة في عملية تقرير مصير الصومال.

أما الطرف الثالث، يحتوي على زعماء “السكان الأصليين”، بالرغم من أفتقارهم الي القوة الناعمة والدعم الإقليمي الا أن البعض منهم لا يزال يمثل ركنا أساسيا في المعادلة السياسية الصومالية، ويحاول جاهدا التأثير على مجريات الأمور، فهو يتحالف مع القوى الكبيرة وفقا لمنظور مبدأ الربح والخسارة من أجل أن يتفادي الغياب أو التغييب عن المشهد السياسي ، ولا سيما في المساعي المتعلقة بتحديد مصير مناطق جوبا، وباي وبكول وشبيلي السفلى.

فهذا الفريق يتصرف كأنه  ”ابن البلد”  وأما البقية، يعتبرها غرباء ومحتلين.

فما الحل اذن؟… الفيدرالية هي الحل الأمثل

ينبغي للرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أن يتحرر من أغلال عناصر الدولة العميقة، والاعلان صراحة تمسكه بمبدأ “الفيدرالية أولا” كحل مضّ للمشاكل الراهنة في البلاد.

وتأسيسا لهذا المبدأ يجب تشكيل ثلاث حكومات فيدرالية – حسبما طرحه البعض – في جنوب الصومال في حين تبقى مقديشوعاصمة “الولايات الصومالية المتحدة”، حيث  تتساوى فيها الفرص أمام الصوماليين جميعا بغض النظر عن انتماءاتهم القبلية والسياسية.

وتكون خريطة الحكومات الاقليمية  في جنوب الصومال كالتالي:

1-   ولاية جوبا وتضم اقاليم، جوبا الوسطى وجوبا السفلي وجذو

2-  ولاية المناطق الوسطى التي ستشمل شبيلي الوسطى وهيران ومدغ وجلجذود

3-  ولاية الجنوب الغربي التي تضم شبيلي السفلى وباي وبكول

وبعد اكتمال مسار تشكل هذه الولايات تكون الحكومة قد قطعت نصف الطريق ولم يبق لها سوى تنظيم انتخابات حرة ونزيهة في عموم البلاد.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى