معالي رئيس الوزراء … الاستقالة الطوعية هي الحل الأمثل

قبل عام ونيف، كان رئيس الوزراء عبدي شردون في نيروبي، ميسور الحال، بين أهله وأولاده. فجأة، قرر العودة الي البلاد بعد غياب طويل، دام أكثر من عشرين عاما، متحديا شراسة الواقع، وعواصف الأرزاء، ليصبح رئيس وزراء لأفشل دولة في العالم. لم يكن يبتغي من وراء ذلك -حسبما ذكره لاحدى الفضائيات المحلية- الا الاصلاح، والنهوض بالبلاد، واخراجه من الوهدة السحيقة التي وقع فيها.

أراد أن يستفيق الشعب ويمتلك قوته، وأن تنهض مؤسسات الدولة ، وتنفض عنها الغبار. لم يأل الرجل جهدا في تحريك الاقتصاد، كي يسترد عافته، ولم يدخر وسعا في بناء جيش وطني يسترد هيبته، وظل يلتمس الي ذلك الوسيلة بكل السبل، وبذل أيضا غاية ما استطاع في لمّ شمل الصوماليين، وترميم جسور الثقة بينهم، التي تصدعت جراء الحرب الأهلية التي عصفت بالبلاد عقب انهيار الحكومة المركزية عام 1991م.

حاول رئيس الوزراء أن يقلل زياراته الي الخارج، -فكانت بأضيق الحدود- كي يتفرغ لشؤون الداخل، ويكون على مستوى طموح المواطن، كان لا يني عن الطواف بمواقع العمل في الداخل، والانتقال بين اقاليم البلاد في سبيل الخير والسلام. وكان يبقى أحيانا في مكتبه أكثر من ساعات الدوام في العمل- حسبما قاله في مقابلة أجرت معه قناة ” كلسن” الصومالية- كي يخطط ويستشرف المستقبل.

 وككل عمل بشرى كان هناك انجاز واخفاق. وكذلك في العام الذي قضى رئيس الوزراء على رأس الحكومة، كانت هناك انجازات واخفاقات، لكن ما تم تحقيقه، بالرغم من عدم ارتقائه الي المستوى المتوقع، يستحق الذكر والإشادة.

في هذا العام ارتفع دخل الدولة، وبلغ مستوى قياسيا ومن المتوقع ان تصل ميزانية الدولة لعام 2014 الي 219 مليون دولار. وهذا رقم قياسي. وانخفضت معدلات الجريمة المنظمة بالمقارنة مع الفترة الماضية، كما عاد الأمل في نفوس المواطنين في الداخل والخارج. أعيد بناء بعض المدارس، وذهب اليها أكثر من 30 الف طالب وطالبة، وتم اصلاح وتعبيد بعض الشوارع الرئيسية في قلب العاصمة مقديشو. وكل ذلك لا شك، يدخل ضمن انجازات رئيس الوزراء.

لكن سيدي رئيس الوزراء..رغم كل تلك الانجازات، لم تعد – في نظر البعض- كافيه لتبقى في منصبك، لأن الأصوات المطالبة باحداث تغيير ملموس تتعالي، ودائرة الانتقادات الموجهة لحكومتك تتسع، والرئيس بدوره لا يقتنع أقل من الرحيل، مبررا ذلك بأنها من متطلبات المرحلة، وما تملي عليه الظروف السياسية، والضغوط الدولية.

والجذير بالاشارة هنا أن كل الانجازات التي حققتها باتت اليوم في خطر. يهددها الضياع، وتتربص بها السباع. وكل اعمال الدولة صارت معلقة بسبب الخلاف بينك وبين الرئيس، فالتقارير الواردة من دوائر الدولة، تنبئ بخطر داهم، وتتحدث عن مؤشرات فاسد أو اختلاس أموال فاق عن الحد المعقول. كل مسؤول بات متورطا أو متغاضيا عن هذا الفساد والافلاس الحكومي، لأن وضعه اصبح غير مستقر، ولا يعرف هل يبقى في منصبه أم يطاله التغيير وبالتالي يفعل ما يخطر بباله وليس ما يمليه ضميره الحي. 

كما أن الركود الحكومي الناتج عن الخلاف بينكما أثر سلبا على  المساعدات الدولية. حسبما ذكر لي مصدر مقرب من الحكومة، حيث بدأت بالفعل دول أوروبية الي تعليق دعمها لميزانية بعض مؤسسات الدولة.

لذلك، الا ينبغي أن يتنازل رئيس الوزراء من أجل الوطن، وأن يقدم استقالة للشعب، يعتذر له عن التقصير، موضحا وبكل صراحة وشفافية جميع العقبات التي اعترضت طريقه، والأسباب الحقيقية التي حالت دون أن يستمر في منصبه. وذلك انطلاقا من مبدأ الشفافية، وتأكيدا على أن المنصب، مسؤولية  وليس تشريفا.

فإن فعل رئيس الوزراء ذلك- واتمنى أن يفعل- ستكون  تلك الخطوة سابقة لم تشهدها السياسة الصومالية من قبل، وتقطع الطريق أمام أي خلاف قد يحدث بين الرئيس ورئيس الوزراء في المستقبل. وسيخرج معاليه من القصر الرئاسي مرفوع الرأس بدلا من أن يخرج منه مكسور الجناح ومستبعدا من أي استحقاقات سياسية مقبلة.

الا ينبغي أن يفعل رئيس الوزراء كما فعله رئيس الوزراء التونسي السابق حمادي الجبالي الذي اعتذر واستقال، ورفض التكليف مرة أخرى، بعد أن رأى خطورة  الموقف السياسي، وانسدد الأفق، تأكيدا على الحق فى إفساح المجال لحل آخر.

 

 

 

 

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى