هل تسير الحكومة على خطى أسلافها؟

في اطار المعركة على كعكة اعادة الاعمار، تتراوح الأوضاع في البلاد بين الإنفراج والتصعيد، ويبدو أن الأزمة بعيدة عن أن تلتئم، وتجد طريقها نحو الحل النهائي، ومن يتابع الأحداث في العواصم السياسية في الصومال، يمكن أن يدرك حقيقة هذا الأمر. ويستشف أن العراك السياسي بين حكومة المركزية والإدارات الأقليمية بدأ يتطور، ويأخذ أبعادا خطيرة، يمكن أن يهدد الوفاق الهش الموجود حاليا بين الفرقاء السياسين في البلاد. الحكومة الفدرالية في واد، والأنظمة التي تحكم الولايات في واد آخر. وكل يغنى على ليلاه، بل يدور في الحفاء صراع مميت على السلطة، والمساعدات الدولية، ويحاول كل واحد تهميش الدور الآخر، والتخلص منه.

في مؤتمر صحفي عقده رئيس ولاية بنتلاند عبدالرحمن فرولي بعد عودته من مؤتمر بروكسل حول اعادة اعمار الصومال، قال: “ابلغنا المجتمع الدولي، كتابة وشفاهة أن الحكومة المركزية ليست ممثلة لهذه المناطق، ولا يمكن ان تتكلم باسمها، مالم يتم تنفيذ الاتفاقيات السابقة”. وهذا يعني أن هناك خلاف حاد بين الطرفين، يسعى كل واحد منهما ليّ ذراع الطرف الآخر.

فالحكومة تريد أن تهمش دور بنتلاند في السياسات الخارجية ولا سيما فيما يتعلق بالمساعدات الدولية، والإتفاقيات التي تبرم مع شركات النفظ العالمية، بينما تستخدم ولاية بنتلاند، موضوع سحب الاعتراف، كورقة ضغط لإنتزاع ما تقول إنه حق دستوري تنتهكه الحكومة ، وتبذل ما في وسعها للقيام بكل ما يمكن أن يظهر للراي العام العالمي ان الحكومة الفيدرالية لا تحظي بموافقة جميع الفرقاء في البلاد. وهذا لا شك يؤثر سلبا على دعم المجتمع الدولي لحكومة الرئيس حسن شيخ محمود.

وهذا الموقف، يتبناه أيضا رئيس إدارة جوبا احمد مدوبي. فقد أكد في اكثر من موقف تضامنه مع إدارة بنتلاند ورئيسها فرولي. وبدأ يماطل في الالتزام بإتفاقية اديس ابابا بغية تخفيف الضغوط التي تمارسها الحكومة على هذا النظام. فقد رفض قبل أيام المشاركة في مؤتمر عام حول أزمة مناطق جوبا والمزمع عقده في مقديشو في الواحد والعشرين من هذا الشهر. وعدم انعقاد هذا المؤتمر يلقي بظلال كثيف على الاتفاق الذي ابرمته الحكومة مع ادارة جوبالاند.

لا تقتصر الخلافات بين الحكومة الفدرالية، والادارات المحلية على نظامي جوبالاند وبنتلاند، وانما هناك جدل سياسي متزايد في معظم اقاليم البلاد، حول أداء الحكومة وسياساتها حيال تشكيل الادارات الاقليمة.  

ربما يكون الهدف من هذه المواقف لي ذراع الحكومة، وارغامها على تنفيذ مطالب خاصة لهذه الإدارات والعشائر القاطنة في تلك المناطق الا أن هذه اللعبة خطيرة، ولاتصب في مصلحة النظام الحالي، فهي  كافية باستنزاف قواه، وابعاده عن جوهر المشكلة، المتمثلة على بناء مؤسسات الوطن، وترسيخ قواعد العدالة التي يعتبر من أهم مطالب الشعب الصومالي الذي عاني سنوات من انعدام الأمن والقانون.

 وقد بدأت هذه اللعبة، تؤثر سلبا على أعمال الحكومة التي باتت تضع كل ثقلها على حل المشاكل السياسية، وخوض معركة كسر العظم مع تلك الإدارات، ربما ايمانا منها أن الخلافات السياسية لابد أن تحل قبل المشاكل الاجتماعية، ولا بد من اخماد الحرائق، والتخلص من البؤر الثائرة بشتى الوسائل، حتى تتمكن الحكومة من القيام بواجباتها في ظل أجواء خالية من التوترات السياسية.

فهذا الاعتقاد جزء من الحقيقة ولكنه ليس كل الحقيقة. فالخلافات بين الحكومة المركزية والسلطات الاقليمية لا تنتهي. ولا احد يملك حلا سحريا لها؛ لأن هذه السلطات متجذرة، وتتمتع بنفوذ قوي في الداخل، والخارج. فهي قادرة على اسقاط الحكومات وخير دليل على ذلك ما فعلته ابان حكم شيخ شريف. ولا يمكن للحكومة الحالية أن تنتصر على هذه الأنظمة، بل ستكون الخاسرة في النهاية ، غير انها تملك قدرة الانتصار على المشاكل الراهنة في العاصمة مقديشو، ومن خلال هذا الانتصار، تستطيع أن تقتل عصفورين بحجر واحد.

فالحكومة قادرة على أن تحقق الكثير خاصة فيما يتعلق باعادة بناء مؤسسات الدولة وترسيخ مبدأ العدالة ومحاربة الفساد، وتوفير الخدمات الضرورية للمحتاجين في مقديشو التي يسكن فيها ما يقاربي ثلث سكان البلاد. واذا نجحت الحكومة في هذا الأمر فالعواصم الاخرى تأتي طواعية وليس في ذلك شك، وتستسلم للأمر الواقع. هذه الطريقة هي الوحيدة الضامنة للنصر السياسي، وليس الاستقواء بالعشائر، وكسب ودها جراء القيام بتعديلات وزارية او تغيير الحكومة.

بعد عام من من تشكيل الحكومة، يبدو أنها تسير على خطى أسلافها. تعطي الأولوية لإقناع القبائل، وأصحاب النفوذ، بغية الاحتفاظ على كيانها، واستمرار تاييد بعض القوى السياسية لها في البلاد. وكل ذلك على حساب المهام الكبرى للحكومة. خلال العام الماضي،- وإن كان هناك بعض المؤشرات الدالة على تقدم طفيف فيما يخص ببناء المؤسسات ووضع القوانيين المنظمة لها – فشل الرئيس حسن شيخ محمود وطاقم الحكومة، في اقتناص الفرص، أو على الاقل لم يحسنو استغلال الفرص المتاحة أمامهم في ظل اجماع دولي وشعبي على دعم الحكومة ، وهذا هو ما لم يتوفر لدى الأنظمة السابقة.

فالحكومة ، حظيت بتأيد شعبي كبير ليس حبا لرئيسها والاتجاه الذي تمثله وإنما هو رغبة الشعب في ايجاد حلول سريعة للأزمة المستعصية في البلاد، وضع حدا لمشاكله اليومية. وحصلت الحكومة ايضا على دعم دولي لم يسبق له مثيل، لكن تلك الجهات لاتدفع عادة شيكا على بياض وانما تحتاج مقابل ذلك احداث تغيير ملموس على ارض الواقع. لابد ان يكون هناك تغيير في سياسات الدولة تجاه الوطن والمواطن بهدف تحسين ظروف الحياة في البلاد ، وخلق بيئة تشجع على الديمقراطية، والتعددية الحزبية.

الانشغال بأمور جانبية، لا تمت الي المشكلة الحقيقية في البلاد بصلة لن تجدي نفعا، كالاتفاقيات التي تبرم الحكومة مع شركات النفظ، وشركات اللوبي التي تقوم بتحسين صورتها امام المجتمع الدولي. وهذا ما فعله شيخ شريف ، ولم يجن منها ثمارا، لكن المهم أن تلتفت الحكومة الي مطالب الشعب، وتنزل من الشجرة كي تقوم بخطوات ملموسة تبرهن على صدقة إرادتها ونوايا في انتشال البلاد من الوهدة التي سقط فيها قبل أكثر من عشرين عاما.

فعمدة العاصمة مقديشو، محمد ترسن هو الوحيد في النظام الحالي الذي يسير نحو الاتجاه الصحيح، يقوم بدوركبير في تهئية الاجواء للحكومة واعطائها غطاء شعبيا يمكن من خلاله أن تحقق انجازات عظيمة، ويساهم  في تغيير اجواء الحرب، وتمكين الشباب في ممارسة هواياتهم وتسخير طاقاتهم في مجالات مناسبة لهم. أعاد تشغيل ملاعب الرياضة في العاصمة، حيث بدأت المباريات الرياضية بانواعها المختلفة تقام من جديد في الملاعب التي كانت مهجورة خلال سنوات الحرب الاهلية.

كان ترسن أول من بدأ باستخدام الفن في ارساء السلام بين المجتمع الصومالي. دعا أهل الفن والطرب في المهجر للعودة الي ارض الوطن، والمساهمة في اعادة الامن والاستقرار، وفق طريقتهم الخاصة بهم، ووفر لهم كل ما يحتاجونه من الترحيب وكرم الضيافة . كما قام بتنفيذ مبادرات تهدف الي تغير قناعات سكان العاصمة تجاه مدينتهم المدمرة . أضاء الشوارع وفتح بعض الميادين العامة في العاصمة بعد اعادة بناءها وترميمها أمام أهالي المدينة. وهذه الخطوات في الحقيقة ساهمت وبشكل واصخ في تغيير قناعات كثير من الناس في الداخل والخارج ونجحت في برهنة ان تغيير الواقع الراهن في العاصمة ليس مستحيلا، اذا صدقت النوايا واتضحت الرؤى.

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى