الكرة في معلب الحكومة

لا ينطلي على الشعب الصومالي الخطاب البراق، والكلام المعسول، جعجعة ولا طحن. فكانت تلك عادة من قبلنا، ولا بد أن تنتهي. ينبغي للحكومة أن تتخطى الحواجز النفسية المترتبة عن محن الأيام الخوالي، والقيام بخطوات تعزز ثقة المواطنين بحكم القانون. وهذا لن يتأتى عبر نشر صور المسؤولين في المحافل الدولية، ولا المؤتمرات الصحفية التي يعقدها المتحدث باسم الرئاسة، أو الصور التي يرسلها عبر الفيس بوك في حين تمر المكاتب الدولة بوضع يرثى له.

فالأوضاع في الوزارات لا تبعث الأمل بل القلق. الأمور فيها كما كانت، ولم تمسها يد التغيير أو التطوير. قاعات الاجتماعات في دوائر الدولة، لا تزال غرفا ضيقة، ولا تتسع للعاملين في الدائرة. وقلما تجد وزارة تنطبق عليها لا أقول معايير وزارات الدول المتقدمة، بل الدول النامية. هناك شح في المعلومات، لم تشكل الحكومة مواقع خاصة لها على شبكة الانترنت أو وسائط التواصل الإجتماعي؛ لأن مثل هذه المواقع تعكس في العادة النشاطات الحقيقية للوزارة.

من خلال بحثي عن المواقع  الحكومية لم أعثر سوى مواقع بدائية تابعة لوزارة التعليم العالي، ووزارتي الخارجية والداخلية، وكانت مواقع ضعيفة المحتوى، ولا تتماشى مع المستجدات في الساحة، ولا تشفي غليل الباحث. ولا تتضمن أية تغطية لنشاطات الوزارة ماعدا الزيارات التي قام بها الوزير أو الوزيرة الي الخارج. وتفتقر هذه المواقع أيضا الي المعلومات الضرورية للباحث أو المواطن الزائر. اليس هذا العجز أمر يبعث القلق ويدل على تقاعس المسؤولين عن اداء وجاباتهم تجاه الوطن والمواطن. وأن المبرر بغياب التمويل والدعم لا يسري بالطبع على التطوير الداخلي للوزارة؛ لأن المتوفر يكفي لتحقيق ذلك.

لا تعدم الحكومة الأموال البسيطة التي تتوفر لدى حركة الشباب. فهي حركة منظمة وتتمتع بقدرات عسكرية وتنظيمية عالية أقرها العالم بأسره، ولولا الضغط الدولي لأظهرت تفوقا غير مسبوق في بعض المجالات. هل عجزت الحكومة، ترشيد ما لديها من موارد اقتصادية. فالاموال التي تحصل عليها من المطار والميناء ناهيك عما يدفعه النرويج والاتحاد الاوربي، كاف لبناء قوة عسكرية، قادرةعلى حماية أمن المواطن والذود عن حياض الوطن. فهي كافية أيضا لتنظيف الشوارع، واصلاح مؤسسات الدولة. لكن السؤال، ما قوة الإرادة لدى الحكومة لفعل ذلك؟  وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.

أبدى المجتمع الدولي جديته في دعم الصومال، وقال كلمته في مؤتمر بركسل ومابعده. لم يتوان عن مدّ يد العون للحكومة الصومالية في السر والعلن. وأخذ مطالبها على محمل الجد. لا جرم ذلك، ولا داعي للبحث عن الدلائل، فجلسة مجلس الأمن بالأمس، شاهد على ذلك. كان هناك توافق على زيادة عدد قوات البعثة الافريقية في الصومال، ودعم مؤسسات الدولة بالمال والخبرة، وخصوصا الأجهزة الأمنية.

ومما يؤكد ذلك أيضا موقف منظمة التعاون الاسلامي من الشأن الصومالي. خلال جلسة مجلس الأمن الخاصة بتعزيز الشراكة والتعاون بين الأمم المتحدة والمنظمة التي عقدت في نيويورك هذا الأسبوع ، قال رئيس المنظمة : “الأمم المتحدة والمنظمة تعملان لبناء القدرات في مجال التعليم والصحة وسبل العيش المستدامة في الصومال”.

أما الشعب الصومالي أبدى بدوره سواء أكان مؤيدا أزليا أو معارضا بالضررورة، مرونة لم نألفها من قبل. أعرب تاييده للحكومة في أكثر من مناسبة، وكل من ينتقد الحكومة لا يفعلها كرهية وانما من باب النصح، والاصلاح .وهذا من واجب المواطن الغيور على بلده.

إجتمع الشعب الصومالي على دعم النظام الحالي، ليس حبا للرئيس أو لرئيس الوزرا… وانما خوفا من أن تذهب تضحياته التي بذلها في سبيل الوطن أدراج الرياح، وطمعا في وضع حد لمعاناته التي دمرت مقدرات البلاد، وأرجعته الي العصر الحجري. اذن فما جزاء من يفعل ذلك؟  الكرة في معلب الحكومة. تقع عليها المسؤولية الكبرى في تلبية طموحات هذا العظيم، ولم شمل الصومالين الذين فرقتهم النعرات القبلية، وبناء جسور الثقة بينهم المفقودة منذ ردح طويل.

فعلى الحكومة برهنة عزمها على بناء مؤسسات الدولة، بشكل خال من الشوائب، معتمدة على مشروع قومي، يمكن للشعب أن يلتف حوله. يجب عليها القضاء على المحسوبية في دوائر الدولة- والمحسوبية، هي” جعل النسب والإنتماء في المقام الأول، ونيل الحظوة والترقية، بدلا من العمل”- وأن تحارب جميع أشاكل الفساد، ليس قولا بل فعلا؛ لأن المحسوبية والفساد هما، أساس المشكلة الصومالية، باعتبارهما الخط الإمدادي للنعرات القبلية التي باعدت بنين المواطنين، وزرعت في نفوسهم الشنآن والبغضاء.

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى