أسرار اعتقال زعيم القراصنة الصوماليين

  قبل أعوام قلائل، لم يكن يخطر على بال أحد أن محمد عبدي أفويني سيقع في الفخ الذي نصبته المخابرات البلجيكية.  كان أقوي رجل في الأقاليم الوسطي للصومال، ومدير شبكة قرصنة اشتهرت بخطف السفن التي تمر عبر المحيط الهندي وخليج عدن.استطاع هذا الرجل في فترة وجيزة جمع ملايين الدولارات من خلال الفدى التي أخذها من السفن المختطفة بالرغم من  نفى أفويني  ذلك، واعتبرها عارية عن الصحة.

وعبر صحافي بلجيكي معلقا خبر اعتقال أفويني في احد البرامج التلفزيونية الهولندية عن اعجابه بالخديعة التي استخدمته المخابرات البلجيكة لإلقاء القبض على ملك القراصنة في الصومال، ووصف إياه بالصيد الثمين.  هذا الإعجاب يعكس عن الارتياح ومشاعر الفرح التي سادت بين أسر كثيرة اكتوت بنران القراصنة الصوماليين، بعد اعلان السلطات البلجيكية نبأ اعتقال أفويني الذي يعتبر الرجل الثاني للقراصنة في القرن الافريقي، والمتهم الأول في قضية اختطاف السفينة البلجيكية بومباي عام 2009م قبالة سواحل الصومال.

المكالمة الهاتفية التي كشفت أسرار القرصان

محمد عبدي حسن لعب دورا محوريا في علمية خطف السفينة البلجيكية بومباي. هذه السفينة اختطفت في 18 ابريل عام 2009م في المحيط الهندي على بعد700 ميل من الساحل الصومالي، وكان في متنها تسعة أشخاص من أفراد الطاقم، بينهم الكبتان الهولندي وإثنان من بلجيكا. كانت السفينة محتجزة لدى القراصنة أكثر من 70 يوما. بعد أشهر من المفاوصات من قبل مالك السفينة، دفع مركز لإدارة الأزمات تابع للحكومة البلجيكية، والنيابة العام الاتحادية، مليوني دولار مقابل اطلاق السفية، وأفراد طاقمها.

قاد هانز سلامان عملية المفاوضات لاطلاق سراح سفية بومباي. أجرى سلامان كبير المفاوضين الهولنديين في قضايا الاختطاف أكثر من 171 مكالمة هاتفية مع  محمد أفويني، أي ما يقارب واحدا وأربعين ساعة. خلال المكالمات تأكد هانز أن أفويني هو المنظم والممول لعملية خطف سفينة بومباي. سأله في احدى المرات ما إذا هو داخل السفينة، فرد أفويني بالإيجاب.

ومنذ ذلك الحين، أشغل بال البلجيكيين اقتفاء أثر هذه الرجل ومتابعة تحركاته. أرسلت في بداية الأمر الي المحيط الهندي حراسا مكلفين بحماية سفنها من القرصنة- بكلفة 600.000 يورو- واستطلاع أحوال القراصنة في هذه المنطقة. وفي مايو 2012م توجهت أيضا بارجة حربية الي سواحل أقاليم الوسطى في الصومال، معقل القراصنة لذات الغرض. لم يكن يقتصر نشاطات السفن الحربية البلجيكية على حماية شريان الملاحة البحرية في خليج عدن والمحيط الهندي وإنما كان ضمن مهتمها وضع خطط سرية لاعتقال القرصان القوي أفويني.

من خلال هذه التحركات تمكنت المخابرات البلجيكية برصد دور وحركات زعيم القراصنة. وأعدت له خطة محكمة لاستدراجة الي بلجيكا للمثول أمام العدالة.

ابن “مدغ” الفقير … كيف أصبح ثريا؟

قصة هذا الرجل الذي يبلغ من العمر 60 عاما  تبدأ من صيد البحر. أنشأ عام 2004 م شركة صغيرة للصيد، تعمل في سواحل إقليم مذغ بوسط الصومال. ووفقا لما ذكره لوسائل الاعلام المحلية، تعرضت أعماله للكساد، وبارت تجارته، نتيجة السفن الأجنبية التي تصطاد من المحيط الهندي. فقرر تشكيل شبكة قرصنة تضم بعض أسرته وشباب من العشيرة التي ينحذر منها، تدافع نفسها عن اعتداءات السفن الأجنبية. لكن تحولت هذه الشبكة فيما بعد الي قراصنة تخطف السفن من أجل الحصول على فدى مالية لاطلاق سراحها. خلال فترة وجيزة صار أفويني اقوى رجل في مناطق-هبيو وحررطيري وعدادو- التابعة لمحافظة مذغ ومن اثري اثرياء الصومال جراء الملايين الدولارت التي يأخذها مقابل اطلاق سراح السفن المختطفة.

شبكة القرصنة التي كان يقودها محمد افويني متهمة أيضا بحادث خطف الناقلة العملاقة سيريوس ستار في 15 نوفمبر عام 2008م والتي كان على متنها نفط قيمته 100 مليون دولار وطاقم من 25 ملاحا من بريطانيا وبولندا وكرواتيا والسعودية والفلبين والتي أفرجت لاحقا بفدية مالية يقدر بـ3 ملايين دولار.

تعرضت مملكة الرجل بهزة طفيفة، عندما سيطرت قوات المحاكم الاسلامية هذه المناطق عام 2006م. لكنه سرعان ما تفاهم مع المحاكم التي وفرت له غطاء سياسيا، وتم الإتفاق بينه وبين مسؤولين مقربيين من المحاكم الاسلامية، على تقاسم الفدى التي يدفعها مالكي السفن المختطفة. ازداد نفوذ محمد أفويني، عقب انتخاب زعيم المحاكم، شيخ شريف احمد رئيسا للصومال حيث منح الأخير جواز سفر دبلوماسي وعينه رئيسا لوحدة مكافحة القرصنة وذلك حسبما ذكره لإذاعة صوت أمريكا قسم الصومال .

وجاء أيضا في تحقيق للامم المتحدة أن الرئيس الصومالي السابق شيخ شريف حمى زعيم القراصنة أفويني من الاعتقال بأن أصدر له جواز سفر دبلوماسيا وانتقد التحقيقمناخ الحصانة الذي يتمتع به زعماء القراصنة داخل الصومال وخارجه.

وقالت مجموعة الامم المتحدة للمراقبة بشأن الصومال في تقرير لمجلس الامن ان كبار زعماء القراصنة يستفيدون من مستوى عال من الحماية توفره لهم السلطات الصومالية كما ان السلطات الدولية لا تستهدفهم بالاعتقال أو العقوبات بالقدر الكافي.

وذكرت المجموعة ان لديها دليلا على اصدار جواز سفر دبلوماسيبموافقة الرئيس الصومالي السابق شيخ شريف شيخ أحمدلزعيم القراصنة محمد عبدي أفويني قدمه للسلطات الماليزية خلال رحلة له الى هناك في ابريل 2012م.

وذكر التقرير انه لدى استجواب مسؤولي الجمارك في ماليزيا له قدم افويني وثيقة أصدرتها الرئاسة الصومالية آنذاك، تؤكد مشاركته في أنشطة مناهضة للقرصنة.

زعيم القراصنة ولعبة توزيع الأدوار!

في 18 سبتمبر 2013م عقد في العاصمة الصومالية مقديشو اجتماع نظمه أفويني حيث أعلن عن تأسيس الوكالة الصومالية لمكافحة القرصنة التي تعمل في المناطق الوسطى للصومال، بهدف مكافحة القرصنة وانشاء مراكز لتأهيل القراصنة، وادماجهم  في المجتمع باستخدام وسائل متعددة. وأشار أفويني في مؤتمر صحفي عقده عقب الاجتماع إلى حصوله على تعهدات مالية مقابل هذا العمل .

فيما يبدو لم تكن هذه مهمة انشاء الوكالة من اجل وضع حد لهذه الظاهرة التي أرقت مضاجع المجتمع الدولي، وصارت تهدد الملاحة البحرية في المحيط الهندي وخليح عدن. هذه المنطقة تعتبر من الشراين الرئيسية للملاحة العالمية. تربط أفريقيا بأسيا، وتمر عبرها وفق بعض الإحصائيات 14% من التجارة البحرية العالمية بقيمة 1.8 تريليون دولار أميركي و26% من تجارة النفط وقيمتها 315 مليار دولار أميركي. لكن الهدف من المهمة كما يقول بعض المراقبيين للشؤون القراصنة الا  جزاء من لعبة توزيع الأدوار، ولعب دور السماسرة الغامضين العاملين في مجال السمسرة الخاصة بعمليات التفاوض الكلاسيكية بين خاطفي السفن ومالكيها الوساطة . تشير بعض التقرير الصحفية ان أفويني كان يتقاضي في كل شهر أكثر من 7 الاف دولار مقابل دوره في تأهيل الشباب الذي يتخلون عن ممارسة نشاطات القرصنة.  

ويدعم هذا الاستنتاج، تقرير أصدرته مجموعة الازمات الدولية والذي ذكر فيه، ان الرئيس الصومالي السابق أبلغ مجموعة الامم المتحدة للمراقبة ان جواز السفر هذا كان من بين مجموعة اغراءاتلاقناع افويني بتفكيك شبكة القرصنة التي يتزعمها.  واصدار الرئيس الصومالي الحالي حسن شيخ محمود عفوا عن مئات من القراصنة الصوماليين في محاولة لإبعادهم عن العصابات المسؤولة عن عمليات الاختطاف والحد من التهديد لحركة الملاحة قبالة سواحل الصومال. وهذه الحوافز ساعدت زعيم القراصنة على حصول حوافز مالية كثرة مقابل اقناع مريديه التخلي عن عملية القرصنة.

الفيلم الوهمي… نهاية الأسطورة

في الأخير، نجحت الخطة ووقع ملك القراصنة في الفخ. اعتقلت وحدات مشتركة من الشرطة الفيدرالية البلجيكية( (FGP والشرطة القضاية الاتحادية (CGSU) في الثاني عشر من الشهر الجاري أهم قرصان في هذا القرن محمد افويني، ورئيس السابق لإدارة حمن وحيب في مطار مطار زافنتم بركسل الدولي. واقتادته الي سجن كبير في مدينة بروج شمال بلجيكا بعد اربع سنوات من المطاردة.

ووضح النائب العام البلجيكي جوهان ديلمو أن هذا الاعتقال جاء بعد تحقيقات عميقة حول الاعتداء الذي تعرضت له السفينة البلجيكية بومباي في عرض البحر قرب الصومال. وقال نظرا لأن القرصان أفويني مقيم في الصومال ونادرا ما يغادرها، لامحيص عن اللجوء الي خدعة لإلقاء القبض عليه”. فقد طلب من أفويني، من خلال صديقه (تيعي) الرئس السايق لإدارة حمن وحيب أن يعمل مستشارا وخبيرا في مشروع فيلم وثائقي عن القرصنة البحرية، بحيث يعكس حياته.

قبل شهرين زار أفراد من المخابرات البلجيكية تنتحل صفة شركة لإنتاج الأفلام الوثائقية العاصمة الصومالية مقديشو، لوضع اللمسات الأخيرة في عملية اعتقال أفويني التي استمرت أكثر من أربعة أعوام .

 في أحد الفنادق بالمدينة التفى افويني شخصيات بلجيكية باعتبار أنهم جاءوا لإنتاج فيلم عن حياة القراصنة الصوماليين وعن دوره شخصيا في اعادة تاهيل القراصنة المقتلعين عن عمل القرصنة. ولم يكن يعرف أنهم من المخابرات البلجيكية. عرضوا له مبالغ تقدر بعض المصادر بـ 3 ملايين دولار مقابل هذا التعاون. قبل أفويني العرض ناسيا عملية المطاردة التي كان يشكو منها. أخبر الرجل أكثر من مرة لوسائل اعلامية محلية بأنه ينبو عن الاعلام خوفا من الاعتقال. كان يراها مصيدة. لكن حدث ماكان يخشاة.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى