واقع الأسرة الصومالية في ظل المتغيرات المعاصرة

CCD3شهد المجتمع الصومالي لتغيرات اجتماعية كبرى بفعل إنهيار الحكومة المركزية عام 1991م، ثم بفعل الحروب الأهلية وما نتج عنها من إنفلات أمني وإنهيار مؤسسات الضبط الاجتماعي، وتعتبر تلك التغيرات بمثابة تحول نوعي من مجتمع ظل طيلة قرون عديدة يحافط على نمط وأسلوب حياته إلى مجتمع آخر يتميز بخصائص اجتماعية وثقافية تمثل تهديدا وتحديا لخصائص المجتمع الأول وخاصة من ناحية تماسك الأسرة لأن المستقرئ للأوضاع الاجتماعية في كثير من الأسر الصومالية ليدرك أنه في خضم المتغيرات الاجتماعية وفي ظل تداعيات النقلة الحضارية، وفي دوامة الحياة المادية، ومعترك المشاغل الدنيوية حدثت أنواعٌ من السلوكيات والأنماط الخطيرة التي يُخشى أن تؤثر في إختلال نظام المجتمع الصومالي، ولعل من أخطر الظواهر والمشكلات التي أذكتها المتغيرات في الأسرة ما يتعلق بالأوضاع الاجتماعية، وما جد عليها من مظاهر سلبية، يوشك أن تعصف بالكيان الأسري، وتهدد التماسك الاجتماعي، فكثرت ظواهر الطلاق وتساهل الآباء، وتقلصت وظائف الأسرة، وكثر جنوح الأحداث، وارتفعت نسب اطفال الشوارع، وتعددت أسباب الجريمة ومظاهر الانحراف، والعنف العائلي، والمشكلات الزوجية، وضعف التواصل بين الأقارب والأرحام، فتحولت معظم الأسر من أسر ممتدة وكبيرة تضم الأجداد والأولاد والأحفاد، إلى أسر نووية لا تضم في الغالب سوى الزوجين وأولادهما، وتقلصت وظائف الأسرة، فتحول كثير منها من أسر منتجة إلى أسر مستهلكة.

فلا يكون للبيت دوره الرئيس في توجيه وضبط سلوك الأولاد وإنما هو عبارة عن مأوى للنوم والأكل وما شابه ذلك فحسب، ولا شك أن هذا أمر خطير لا بد من وضع الحلول المناسبة له ليعود البيت إلى وضعه الطبعي، وليعلم الجميع أن الأسرة هي الخلية الأولى لصلاح المجتمع واستقراره.

كانت الأسرة في المجتمع الصومالى التقليدي تقوم بجميع الوظائف الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و التعليمية و الدينية والتربوية فكانت هي التي تقوم بتنشئة الطفل و غرس القيم الأخلاقية فيه، أما الأسرة في المجتمع الصومالى المعاصر فقدت الكثير من وظائفها فلم تعد وحده اقتصاديه منتجه بل وحده استهلاكية و لم تعد هي المسئول الوحيد عن تربية الأبناء فهناك المدارس وسائل الأعلام و المساجد، والجماعات الإسلامية تشارك  الأسرة بشكل كبير في غرس القيم في نفوس أبنائها.

الأسرة بصفة عامة هي عنوان قوة تماسك المجتمع أو ضعفه فهي تقوم بأدوار عديدة هامة منها ما هو تربوي أو اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي خاصة دورها الكبير في تحقيق الأمن وبسط الطمأنينة الذي تنعكس آثاره على الأفراد والمجتمعات .

  وتبرز أهمية الاسرة ومكانتها بأنها أهم خلية يتكون منها جسم المجتمع البشري وهي البيئة الاجتماعية الأولى والوحيدة التي تستقبل الطفل منذ ولادته ، وتستمر معه مدى حياته، تعاصر انتقاله من مرحلة إلى أخرى وفي كنفها يتعلم ويكتسب قيم وعادات وثقافة المجتمع  فهي مؤسسة للتدريب على تحمل المسؤوليات وإبراز الطاقات لجميع أفرادها.

 

لكن على الرغم من أهمية الأسرة الا ان واقعها ينذر بوجود خطر محدق يهدد كيانها، ومن أهم الأخطار التي تواجه الأسرة الصومالية معاصرة هي ممايلي:-

أولاً: الخلافات الزوجية

يسود لدى بعض الأسر الصومالية المعاصرة تضارب في توجهات الزوجين حيال بعض الأمور التي تخص أيا منهما أو تخصهما الاثنين ،بحيث تستثير انفعال الغضب،أو السلوك الانتقامي أو التفكير فيه،وتعبر هذه الخلافات عن نفسها بمظاهر شتى مثل النقد أو السخرية،والمناقشات الكلامية الحادة،وقطع التواصل الكلامي أو التقليل منه،وعدم القيام بالأدوار سواء بصفة كلية أو جزئية، وذلك بسبب عدم وجود مراكز للإستشارات الأسرية وتتنوع الموضوعات التي تدور حولها الخلافات الزوجية في الأسرة الصومالية المعاصرة، فقد تكون الخلافات ذات طبيعة اقتصادية حين تدور حول المسائل المادية وميزانية الأسرة وأوجه الإنفاق ومصارفه وتقسيم المسؤوليات المادية، كما قد تحتدم الخلافات الزوجية حول الموضوعات التربوية للأبناء بداية من توزيع الأدوار في تحمل مسؤولية التربية ثم طرق وأساليب هذه التربية وأنماطها، وربما تكون الموضوعات الاجتماعية من أكثر الموضوعات التي تدور حولها الخلافات الزوجية فهناك علاقة كلا الزوجين بأسرة الطرف الآخر وهناك صداقات قد تكون مثار جدل ،وهناك علاقة الأسرة بالجيرة ،إضافة إلى مجموعة كبيرة من المؤثرات السلبية الاجتماعية التي باتت تشكل خطر على الأسرة المسلمة.

ثانيا: العنف الأسري :

 من التغيرات الاجتماعية السلبية التي تحدث داخل الأسرة الصومالية المعاصرة  العنف الأسري الذي ظهر على شكل إيذاء الأطفال، كذلك يظهر على شكل إيذاء الزوجة جسديا من قبل الزوج بدافع القهر والإذلال أو على شكل عنف زوجة الأب في تعاملها مع أبناء زوجها من الزوجة الأولى إذا كانت الثانية أو أبناء الزوجة الثانية إذا كانت الزوجة الثالثة ، بسبب المسافة النفسية بينهما واستخدامها أسلوب التحريض والتأليب ضدهم عند أبيهم أو معاقبتهم عند مشاكستهم لها أو لتعليماتها فضلا عن شعورهم بأنها إنسانة غريبة حلت محل أمهم واستحوذت على مكانتها فلا يرتاحون كلامها حتى لو كان في صالحهم وراحتهم .

ثالثا: الطلاق:

تعتبر ظاهرة الطلاق مشكلة اجتماعية نفسية، وهي ظاهرة عامة في جميع المجتمعات ويبدو أنه يزداد انتشاراً في مجتمعنا الصومالي في الأزمنة الحديثة والطلاق هو ” أبغض الحلال ” لما يترتب عليه من آثار سلبية في تفكك الأسرة وازدياد العداوة والبغضاء والآثار السلبية على الأطفال ومن ثم الآثار الاجتماعية والنفسية العديدة بدءاً من الاضطرابات النفسية إلى السلوك المنحرف والجريمة وغير ذلك. ويمكن حصر أسباب الطلاق في المجتمع الصومالي في غياب الالتزامات التربوية والمادية تجاه الأولاد، وعدم توفير الحياة المعيشية المناسبة ، وكذلك طريقة الزواج نفسها حيث تبين أن بعض الزواجات تتم عن طريق  طريق الأهل والأقارب يسبب الكثير من المشكلات حيث يعول كل من طرفي الزواج الثقة على اختيار الأهل وبالتالي لا تترك فرصة للطرفين للتعارف واكتشاف كل منهما شخصية الآخر، وكذلك انعدام الحوار والتفاهم بين الزوجين حيث أن الحوار قد ينتهي بالضرب والشتم والسب والخصام ومن ثم الإنفصال.

د/عبدالوهاب على مؤمن

باحث متخصص في علم الاجتماع info@Mogadishucenter.com
زر الذهاب إلى الأعلى