هجوم نيروبي… دلالات وتداعيات

46

أخيرا، انقشع غبار المعركة، وأنتهت أزمة الرهائن في مول وست غيت بالعاصمة الكينية، نيروبي،  بعد أربعة أيام من المواجهات الدامية بين قوات الأمن الكينية، ومسلحين تابعين لحركة الشباب الصومالية الذين احتلوا المركز يوم السبت الماضي، ما أدى الي مقتل أكثر من 60 شخصا من بينهم ستة من قوات الأمن الكينية، وجرح ما لا يقل عن 200 مدنيا، في حين عشرات من الأشخاص لاتزال في عداد المفقودين، وفقا لمنظمة هلال الأحمر الكيني.
لاشك أن هذا الهجوم الذي يعتبر الأسوء من نوعه منذ تفجيرات السفارة الأمريكية في نيروبي عام 1998م والتي أسفرت عن مقتل أكثر من مائتي شخص، كان يحمل في طياته دلائل عدة، وسيترك أثرا كبيرا على حياة الصوماليين في كينيا، ولاسيما الذين يعيشون في العاصمة نيروبي، ومعسكرات اللاجئيين، في شمال البلاد. فالسلطات الكينية يمكن أن تتخذ إجراءات أمنية تهدف الي تضيق الخناق على تحركات الصوماليين من والي كينيا، حيث تعتبر العاصمة نيروبي مركزا مهما لنشاطات الصوماليين ولاسيما النشاطات السياسية منها والتجارية. كما يمكن أن تبدأ الحكومة الكينية بتنفيذ عمليات لإعادة اللاجئيين الصوماليين قصرا الي بلادهم.

فهذه المشاكل والمخاوف كانت قائمة أصلا، وكانت تأرق حياة الجالية الصومالية في كينيا، لكنها لاشك، ستتخذ  أبعادا خطيرة، نتيجة الهجوم الأخير في نيروبي الذي ادي الي مقتل عشرات من المدنيين الأبرياء، ولا أتوقع أن تكون دعوات بعض المسؤوليين الكينيين الي عدم ربط هذا الهجوم بالمسلمين او الصوماليين، قادرة على منع أو تخفيف التأثيرات السلبية للهجوم على الحياة المواطيين الصوماليين في كينيا، لأن الحكومة الكينية بحاجة الي إتخاذ خطوات تطمئن شعبها، وتبرهن على عازمها وقدرتها على حماية أمنهم وممتلكاتهم.

لن تقتصر تداعيات هجوم وست غيت على  الصوماليين في كينيا فحسب، وانما ستتعدى الي داخل المناطق الصومالية التي تتواجد فيها القوات الكينية ، فالقوات الكينية في مدينة كسمابو بمكن أن تقوم بقصف المناطق التي تختبأ فيها قيادة حركة الشباب، بالطائرات المقاتلة أو بتنفيذ عمليات نوعية في عمق الأراضي الصومالية بغية إعتقال او قتل مسؤولين من الحركة. وهذا الأمر محفوف بالمخاطر، وهو ما عجزت عنه قوات النخبة الغربية.

فالهجوم المسلح على المركز التجاري في نيروبي لم يكن موجها فقط الي كينيا والمجتمع الدولي، بل كان الهدف الأول منه إيصال رسائل الي داخل حركة الشباب المرتبطة بتظيم القاعدة.

تشهد الحركة هذه الأيام صراعات، وتصفية حسابات بين قيادات الصف الأول. وبدأ الجهاد يأكل أبنائه، فقد قتل خلال هذا العام أكثر من خمسة أشخاص من كبار الحركة. وكان آخرهم عمر همامي المعروف بابي منصور الأمريكي. فهذه الصراعات اثارت البلبلة في صفوف الجماعة، وبدأ كيثرون يشككون في أهداف أمير الحركة احمد جوذني، بحيث إتهموه بترك “الثغور” والعودة الي قتل المحاربيين القدامي في الجماعة، ومن القادة الكبار التي إنتقدت سياسات الحركة، مختار ابو منصور الذي يتمتع بنفوذ قبلي كبير داخل المناطق التي يعتقد بأن قيادة الحركة تختبأ فيه. فقد حذر ابو منصور في آخر تسجيل له الي وسائل الإعلام المحلية عن مغبة مساعي أحمد جوذني لتصفية خصومه. وتأتي الرسالة إثر مقتل نائب أمير الحركة ابراهيم أفغان ومسوؤلين آخرين على أيدي مليشيات تابعة لأمير الحركة  في مدينة براوة في شهر يوليو الماضي.

 يبدو أن هذه الرسالة وصلت، ولكنها لن تقدر اسكات الأصوات في الداخل، المخالفة لسياسات زعيم الحركة، ولا تفيدها في حربها ضد الحكومة الصومالية، لأنها تفقد يوما بعد يوم ما تبقى من تعاطف العشائر المؤيدة لها، فبدأت تنحاز الي التيار المعارضة لحكم أحمد جوذني. كما أن إنتصارات الحكومة الصومالية والقوة الأفريقية المساندة لها على الارض واستيلائها على مناطق كانت تخضع لسيطرة الحركة، سيقلص قدرة الأخيرة على القتال على جبهتين.

آدم كريمو

زر الذهاب إلى الأعلى