تأملات حول المجتمع الصومالي المعاصر


ظاهرة الصومال، أو بمعني أصح معرفة وتفسير الاسباب، العوامل والدوافع المؤدية الي عدم استقرار المجتمع الصومالي حيرت فكر علماء العلوم الانسانية على مستوي العالم ولسنوات طويلة!
يُوصَف مجتمع بلادي بانه مجتمع متجانس الي درجة ندرة تواجد مثيل موازٍ له في درجة التجانس على مستوي مجتمعات عالمنا المعاصر.
النقطه اعلاه دفعت بعض علماء الاجتماع الي عدم اعتبار التجانسالعامل الرئيسيفي استقرار المجتمع كما كان مفترضاً في نظريات سابقة في هذا المجال.
دليلهم على ذلك هو أن الحروب الاهلية التي اندلعت في الكثير من المجتمعات الافريقية الغير متجانسة مثل: نيجيريا، ليبيريا، سيراليون، انجولا، موزنبيق، روندا، بورندي، الكنغو الديموقراطي، تشاد، أوغنده ألي اخر القائمة لم تستمر طويلاً بالمقارنة بالحالة الحرب في الصومال، و انتهت رغم الدمار والمرارة بالتصالح بين الفرقاء المتصارعين، واعادة تسيير دفة الدولة، وعودة الحياة الي مجاراها رغم بقاء عدم التجانس الشديد بين مكونات المجتمع على ما كان عليه.
كما يضيفون الي ذلك ان معظم هذه الحروب الاهلية انتهت دون الحاجة لحمايةالحكومةمن شعبها بقوات أجنبية دخيلة وغير مرحب بها من قبل المجتمع.
أعتقد ان سبب انهيار الدولة في الصومال، ثم الفشل الذريع في الخروج من دوامة الحرب الطاحنة واقامة دولة مركزية يعود قبل كل شيء الي شدة التجانس في مكونات المجتمع الصومالي سؤاء اَكان هذا التجانس: إثني، لغوي، ديني، ثقافي اقتصادي او غير ذلك .
وحسب اجتهادي الشخصي يتصف المجتمع الصومالي (على عكس معظم مجتمعات العالم المعاصر) بخصائص كونه مجتمع اُمومي matriarch society الي درجة ما، ثم مجتمع أنركي anarchist society الي درجة عالية.
وبحكم العاملين اعلاه يتصف هذا المجتمع بتقديس حرية واستقلاليته الفرد ومساواته للاخرين، وعدم ميل انسان هذا المجتمع الي طاعته اوامر صادرة عن الغرباء المتسلطين.
إلا أن الاهم من ذلك والاكثر خطورة هو اتصاف هذا المجتمع الرعوي بكل خصائص الاسرة النووية المعاصرة!
تَكُوْنُ الاسرة الننوية المعاصرة متماسكة وسعيدة اذا شعر الاطفال في البيت بأن قلب الام والاب لا يميل الي طفل ما دون الأخرين.
أما اذا أحس ابناء الاسرة بتدليل الوالدين لطفل ما دون غيره، وحصوله على امتيازات لا ينالها الاخرون بوصفه الطفل المتميزو المفضل عند الوالدين، تتحول حياة هذه الاسرة الي جحيم، يسوده البغض،الحقد، الحسد وكراهية الاطفال بعضهم لبعض وكراهيتهم للوالدين وينتهي بها الامر الي التفكك، الانهيار، التحطم والشقاء ويستحيل بعد ذلك والا الابد اعادة اللحمة الي ما كانت عليه سابقاً.
تفضيل الدولة المركزية لأبناء بعض العشائر وبالتالي ارتفاع منسوبهم في مراكز صنع القرار ثم احتكارهم الكلي لها باعتبارها ممتلكات خاصة بعشيرتهم .
وتمتع بعض العشائر على امتيازات خاصة بها دون غيرها.
وتركيز الخدمات التعليمية بالذات في مناطق العشائر المفضلة (عشائر درجة اولي)
وتقليص الخمات التعليمية مناطق العشائر المهمشة.
ثم انتشار المحسوبية في مفاصل الحكومة وعلى اعلي المستويات.
وقبل كل ذلك تمييز الحكومة بين المواطنين على اسس عشائرية أدي في نهاية الأمر الي اغتراب الفرد عن الدولة وعدم شعوره بانتمائه اليها.
أي تماماً كما يشعر الطفل بالاغتراب عن اسرته وعدم انتمائه اليها ثم كراهيته لها والسعي بكل السبل لتدميرها اذا احس بان والدهاه يميزان ضده.
وَلَدَ سلوك الدولة الموصوف اعلاه عند الإنسان الصومالي شعورطاغي بغبن نتج عنه اغتراب تام عن الدولة وعدم شعور المواطن بلانتماء اليها بتاتاً.
اشعل تراكم هذه المشاعر السلبية ولسنوات طويلة عند الجميع مشاعر البغض والحسد، والكراهية وحب الانتقام والتشفي مما دفع الشعب الى السعي لتقويض وهدم اركان الدولة مصدر كل الشرور في المجتمع.
أي ان اسباب انهيار الدولة في الصومال بكل بساطة هي نفس اسباب انهيارالاسرة النووية في أي مجتمع معاصر، أي فقدان الابناء الشعور بالمساوة داخل بيت الاسرة.
وكما ان اطفال الاسرة الننوية يتوقعون من السلطة العليا (الوالدين) توزيع العطف والحب بينهم بالتساوي، وعدم تفضيل طفل ما عن اخوانه و الا هدموا بيت الاسرة فوق رأس الجميع، يتوقع المجتمع الصومالي الامومى الأنركري من السلطات العليا ( الدولة) توزيع السلطة والثروة والخدمات على ابناء المجتمع بالعدل التام، والتساوي الكامل وعدم تفضيل مواطن ما على بقية المواطنين، والا عمل الجميع على هدم الدولة وسلطاتها الغيرعادلة فوق الجميع.
وبكلمات اخري تنظر بعض المجتمعات الطبقية الي الدولة (لأسباب تاريخية خاصة بها) على أنها الفرعون، الامبراطور، الخليفة، السلطان او الدكتاتور الذي يجب طاعته، واتقاء غضبه، وارضائه، ولا انزل عليهم من السماء سوط عذاب، وعلى العكس من ذلك تماماً ينظر المجتمع الصومالي الي الدولة على انهاالوالدالعضوي الذي تحتم عليه صلة الدم والقرابة ومكانته العلوية في الاسرة على اقامة العدل والمساواة التامة بين اعضاء الاسرة دون ادني تمييز.
هذا يعني أن مربط الفرس في القضية الصومالية يكمن في هذه النقطة: أي اقامة (الدولة/ الوالد) العدل بين المواطنين (اطفال الاسرة) دون أدني تمييز،
وذلك لأن حساسية الانسان الصومالي ضد التمييز في الدولة مؤلمة و لا تقل في الدرجة عن حساسية الطفل الغريزية المؤلمة ضد التمييز في كل من الاسرة والمدرسة.
النقطة اعلاه تدل على رغبة الانسان الصومالي الغريزية بان يتصف المسئول عن الشأن العام في الحكومة بميل شديد الي تطبيق العدالة والبعد التام عن التحيز والمحسوبية.
النقطة الايجابية الاخري في شخصية المواطن الصومالي هي ميل الفرد الشديد الي التعامل مع الدولة (الوالد) مباشرة ودون وسيط، تماماً كما يحب الطفل التعامل مع والدة معاملة مباشرة دون وسيط.
هذا يعني أيضاً مُقت الانسان الصومال الشديد لجود وسيط (العشيرة) يَحُول بينه وبين تعامله واحتكاكه المباشرمع حكومته والتماهي معها، تماماً كما يمقت الطفل وجود وسيط يَحُول بينه وبين الاتصال المباشرمع والدية والتماهي معهم.
الحلم الأزلي للانسان الصومالي هو أن تُشْعِرة الدولة بانها والدته/ اُمه التي ينتمي اليها بيولوجياً، وان قيمته لديها لا تقل عن قيمة أي فرد اي في الاسرة.
وحتي يتحقق ذاك هذا الحلم الأزلي ويتمثل المسؤل عن الشان العام على كل المستويات بانه الوالد الاسرة وعليه مراعاة العدل بين الاطفال سيستمرهذا المجتمع الامومي الانركي المفرط في تقدير قيم الحرية والعدل ومقاومة الغبن الي تقويض وهدم أركان كل دولة مركزية يشعر باغترابه عنها وعدم اِنتمائه اليها! تحياتي.

 

احمد عثمان

كاتب صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى