دولة المؤسسات لا تحتاج الي فتاوى دينية

  DSC07661في السنوات الأخيرة، يشهد الصومال، صراعا دينيا في غاية الخطورة. وكل الأطراف المشاركة في هذا الصراع، تخوض هذه الأيام معركة من أجل البقاء، لأنها تعرف إن نجا طرف، لا نجاة للطرف الآخر، ويكون حتما مصيره الي زوال. وعلى رغم الجهود المبذولة، فان المشكلة بين هؤلاء الفرقاء قد وصلت الي نقطة اللاعودة، وأصبحت الفتاوي الدينة الفيصل، والحكم، وهي التي تحلل الدماء، وتقرّر الحلال والحرام في المسائل المتنازعة عليها، سواء كانت سياسية أو دينية، أو إجتماعية.

 فالأطراف الرئيسية في هذا الحراك، ثلاثة طوائف، حركة الشباب والصوفية والسلفية . وبالرغم من الإختلاف المذهبي والعقدي بين الأخيرتين الا أنهما متفقتان على محاربة حركة الشباب التي لا تفرق في المعارك بين الإثنين، ولا يألوان جهدا في رفع الغطاء الديني عنها، بشتى السبل والوسائل، والتصدي للأفكار المغدية لسلوكها المتطرف.

عقد فبل أيام مؤتمر حول ظاهرة التطرف الديني في العاصمة الصومالية مقديشو، وأصدر علماء سلفيون وصوفيون في ختام المؤتمر فتاوى دينية تجرم التطرف الديني. وتدعو السلطات الأمنية الي الإسراع في تجفيف ينابيع هذه الأفكار، ومراقبة الأماكن التعليمية، ودور العبادة، للحيلولة دون اشاعة اي شكل من اشكال التطرف أو نقله لعموم الناس أوللأطفال وتلاميذ المدارس. فقد صار بعض المساجد والمنابر الدعوية برأي هؤلاء العلماء مرتعا للحركات المتشددة، تستخدمها في ترويج أفكارها وتغسيل أدمغة الأطفال، والشباب وإقناعهم بالإنضمام الي صفوفهم.

وكان اللأفت من بين بنود الفتوى توصيات رفعها المشاركون الي الحكومة، تطالب بوضع قوانين تنظم نشاطات العلماء، وتطلق عنان الأجهزة الأمنية، للقيام بتحريات دقيقة، ومتابعة الممارسات المتطرفة لأئمة المساجد، وتحرير خطبهم الدينية من التطرف والغلو.

بالطبع تتصمن فتاوى العلماء بنودا مهمة كان ينبغي للعلماء تنفيذها قبل إستفحال ظاهرة التطرف في البلاد. الا أننا لا نغالي إذا قلنا، هناك بنود أخرى، غير واضحة، يمكن أستخدامها لأغراض سياسية لا تمت لمحاربة التطرف الديني بصلة، وتثير عدة تسائلات حول مغزى هذه الفتوى أساسا وتوقيتها، ودور النظام في إستصدارها في ظل مشاركة مسؤولين من الحكومة في فعاليات المؤتمر.

 ومن أهم البنود المسيسة والمثيره للجدل ، تلك البنود المتعلقة بتجريم معارضة الحكومة بإعتبارها دولة إسلامية لا يجوز الخروج عليها، والتي تدعو الي متابعة أنشطة العلماء، و تضييق الخناق على وسائل الإعلام، بالإضافة الي بعض التوصيات التي رفعها المؤتمرون الي الحكومة.

 فهذه البنود، والتوصيات، تتعارض مع حرية التعبير وحرية الصحافة، وتوفر للحكومة الصومالية غطاء دينيا لقمع معارضيها غير المسلحة. فاليوم يريد الجميع التخلص من حركة الشباب التي باتت نهايتها قريبة أكثر من أي وقت مضى، بعد أن قتلت عشرات من أفرادها الذي عارضوا سياسات أمير الحركة ،أبو زبير، وكان آخرهم ابومنصور الأمريكي  الذي قتل صباح اليوم في منطقة نائية بأقليم باي غرب الصومال. لكن من يضمن عدم استخدام هذه الفتاوى لأهداف سياسية ؟.و ماهي المعايير والضوابط  التي تمنع استعمالها في تبربر إنتهاكات القوات الصومالية لحقوق الإنسان؟   

وكذلك الأمر بالنسبة للبنود المطالبة الي سنّ قوانين تنظم أنشطة دور العبادة والمدارس والجامعات، وتسمح للحكومة قيام عمليات رصد تشمل المناهج التعليمية والدعوية وإلغاء المواد الدينية التي تحتوي على أفكار التطرف الداعية الي العنف والكراهية. يخاف البعض أن تمهد هذه الفتوى الطريق لخطوة في غاية الخطورة، وهي تجميد مواد دينية في المقررات الدراسية.

لماذا كل هذه الصيحات والفتاوى الدينية؟. فالسلطات الرسمية، هي المسؤولة عن أمن البلاد، ولا تحتاج فتوى دينية كي تقوم بمهاما تجاه ضبط الأمن ومحاربة كل من تسول نفسه في تعكيرحياةالمجتمع. فهناك قوانيين وتشريعات تسمح لها بتنفيذ الإجراءات الضروية لتثبيت الأمن وملاحقة  المجرمين حتى مثولهم أمام العدالة.

 

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى