تداعيات استقالة الرئيس عبدالكريم جوليد على المشهد السياسي الصومالي

لاشك أن استقالة عبدالكريم جوليد رئيس ولاية جلمدغ من منصبه يوم الأحد الماضي لها تداعيات على المشهد السياسي على مستوى الولاية وعلى مستوى العلاقة مع الحكومة الفدرالية. أولا، من حيث مستوى الولاية، تأتي استقالته في وقت تشهد الولاية انقسامات حادة نتجت عن خلاف سياسي ادى الى سحب البرلمان الثقة عن رئيس الولاية قبل عدة شهور.

وهو ما رفضه عبدالكريم جوليد واعتبرها غير دستورية، وأخذ اجراءات أمنية تهدف الى تعزيز سلطته ومنع النواب من عقد الإجتماعات في مقر البرلمان، رغم أن عبدالكريم جوليد حظي بدعم من الحكومة الفدرالية بقيادة حليفه الرئيس السابق والمجتمع الدولي الذي كان يرى أن الخلاف يهدد استقرار الولاية الا أنه بالفعل فقد شرعيته، وكان من الصعب أن تستمر قيادته للولاية، وبالتالي استقالته انقذت الولاية من مزيد من الانقسام قد يؤدي الي تدهور أمني وتضييع للإنجازات الشحيحة التي تحققت منذ تأسيسها.

ثانيا، تفتح استقالة عبدالكريم جوليد الباب علي مصراعيه لمصالحة بين حكومة الولاية وتنظيم اهل السنة والجماعة المسيطر على اجزاء من مناطق الولاية، ويدعي الشرعية رغم عدم اعتراف الحكومة الفدرالية له، الشق الاهم من الخلاف بين الجانبين يعود الي الخلاف السياسي أو الايديلوجي بين التيارين اللذين ينتميان الى كل من عبدالكريم جوليد، وقادة تنظيم اهل السنة ذات التوجه الصوفي، واخذ الخلاف في الفترة الأخيرة طابعا شخصياً بعد أن كان خلافا سياسيا، اذا، غياب عبدالكريم جوليد عن مشهد الولاية سبقه غياب مماثل لحليفه حسن شيخ محمود عن قيادة الحكومة المركزية يمهد الطريق لاجراء مصالحة شاملة بين ولاية جلمذغ وتنظيم اهل السنة، وطي صفحة الخلافات بين الطرفين في ظل حكومة رئيس الوزراء حسن خيري.

ثالثا، وعلي مستوي الحكومة الفدرالية يضعف استقالة عبدالكريم جوليد تأثير ونفوذ مجموعة “الدم الجديد” التي شارك في تأسيسها، وخططت لانتخاب حليفهم حسن شيخ محمود رئيسا للصومال عام ٢٠١٢م، وربما قد يؤدي الي انتهاء التجربة السياسية لهذه المجموعة، لأن الخيبات الأمل التي ورثتها القيادات الشابة من تجارب عبدالكريم جوليد وامثاله من الرعيل الأول للمجموعة قد يدفعها الى البحث عن بدائل للمشاركة في السياسة الصومالية خاصة اذا اخذنا في الحسبان نظرة المجتمع السلبية تجاه هذه المجموعة.

وجاءت استقالة عبدالكريم جوليد في وقت فقدت مجموعة “الدم الجديد ” قيادة الحكومة الفدرالية اثر هزيمة حسن شيخ محمود الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وثمثل ضربة قوية على المجموعة التي كانت تخطط قبل شهور بالبقاء في الحكم لفترة طويلة عبر زرع ابنائها للمؤسسات الحساسة للدولة، لتضاعف معاناتهم رغم تمتعهم بوجود رمزي في داخل البرلمان الفدرالي.

ومن جهة أخرى تمثل استقالة عبدالكريم جوليد فرصة للمجموعة لاعادة أوراقها من جديد ويعفيها عن اعباء الحزب الحاكم لكي تصبح معارضة قوية في داخل البرلمان وخارجه، وهو دور يعطيها الفرصة في البقاء علي المشهد السياسي عكس ما يتوقعه كثير من المحللين وهو أن مجموعة “الدم الجديد” كانت ظاهرة، وانتهي دورها بدون رجعة بعد الانتخابات الرئاسية الصومالية.

ومهما كانت، تمثل استقالة عبدالكريم جوليد فرصة ذهبية لابناء ولاية جلمذع لاجراء المصالحة الداخلية وتوحيد صفوفهم عن طريق دمج تنظيم اهل السنة في مؤسسات الولاية وانتخاب قيادة توافقية تعمل على تحقيق رغبات الشعب، وفي نفس الوقت هي ضربة موجعة لمجموعة “الدم جديد” وحلفائهم تضعف تأثيرهم في المشهد السياسي، ان لم تؤدي الى ازاحتهم عن المشهد السياسي بصورة كلية.

زر الذهاب إلى الأعلى